انطلاقا من ضرورة الوصول للمؤشرات الواقعية لطبيعة الحراك الهادف لإقرار الحقوق العمالية وتحسين مناخ العمل في مصر، قامت مؤسسة مؤشر الديمقراطية برصد وتوثيق تطورات دولاب العمل المصرى والحراك والمطالب العمالية في مصر خلال الفترة من يناير –أبريل 2016، في محاولة لاستنتاج ما تطالب به تلك التحركات وردود الفعل الحكومية والنقابية والمدنية تجاهها كواحد من مجموعة من الملفات التى ترسم ملامح ومؤشرات الديمقراطية في مصر والتي تصدرها المؤسسة بشكل دوري منتظم .
واعتمد التقرير على منهجية رصدية اعتمدت على خمس مصادر للرصد والتوثيق وهي ( المرصد الإعلامي لخمس صحف مصرية متنوعة – لجان تقصي الحقائق الخاصة بالمؤشر – المشاهدات الميدانية الخاصة بفرق الرصد – المواقع الحكومية الرسمية الخاصة بالوزارات المعنية – المواقع الإخبارية للنقابات والمؤسسات المتعلقة بموضوع التقرير)
اعتمد التقرير في رصده للحراك العمالي على تعريف أوسع للعمال بشكل يضم كل من يعمل بأجر سواء بمؤسسات خاصة أو حكومية أو مشروعات صغيرة او بالحرف والمهن المتنوعة كسبيل لكسب قوته، بغية استيضاح مؤشرات مناخ العمل في مصر، لذا فإن هذا التقرير يعتمد على رصد حراك أكثر من 50 فئة مختلفة خرجت جميعا في احتجاجات مطالبة بحقوق تتعلق بأعمالهم وأنشطتهم لكسب دخولهم الفردية.
الاحتجاج العمالي بالنسبة للتقرير هو الآداة التي قام بها المواطن المصري للاعتراض على انتهاك أو المطالبة بحق يتعلق بحقوقه في العمل وكسب القوت.
وتم احتساب عدد الاحتجاجات بشكل منفرد لكل حالة على حدة ومع احتساب الآتي :
- أن كافة الفاعليات التي تمت في يوم واحد من قبل فئة واحدة للمطالبة بمطلب معين تحسب فاعلية واحدة/احتجاجا واحدا.
- أن الإضرابات والاعتصامات الممتدة على مدار عدة أيام متصلة ولنفس السبب تعد حدثا واحدا ولا يتم احتسابها وفق عدد الأيام ولكنه يتم احتسابها وفقا لفاعلية واحدة ولكنها امتدت لأكثر من يوم.
- الاحتجاج في هذا التقرير لا يقتصر على التظاهر والإضراب والاعتصام ، ولكنه يمتد ليشمل أكثر من 20 شكلا احتجاجيا قامت بهم الفئة المعنية بالتقرير خلال فترة التقرير.
- يمتد هذا المؤشر ليشمل أحداث الفترة من 1 يناير – نهاية أبريل 2016.
- أن كافة الأعداد والمؤشرات التي يعرضها التقرير لا تمثل الحقيقة الكاملة/المشهد الكامل ولكنها مجرد مؤشرات رصدت جانب من المشكلات التي تم رصدها ويعترف التقرير بأن هناك أضعاف تلك الأحداث والمشكلات والأرقام التي حدثت بالواقع ولم يتم رصدها سواء من قبل المؤسسات الإعلامية أو المدنية أو المؤشر نظرا لأسباب متعددة، لذا فإن ما حدث واقعا يتعدى أرقام التقرير و رصده وتوثيقه.
¨ معدلات الاحتجاج خلال فترة المؤشر:
493 احتجاجا عماليا منذ يناير وحتى نهاية أبريل 2016، مثلوا الحراك العمالي المطالب بحقوق العمل في مصر والمحتج على الأوضاع المتدهورة التي تعصف بحقوقه مما دفعهم لتنظيم قرابة الـ 4 احتجاجات يومية بمتوسط احتجاجا عماليا كل 6 ساعات.
تصدر فبراير المشهد الاحتجاجي العمالي بـ 164 احتجاجا تلاه مارس بـ 134 احتجاجا ثم يناير وأبريل بـ 98 ، 97 احتجاجا ليتضح التأثير العكسي للأحداث السياسية على امخفاض عدد الاحتجاجات العمالية خلال الأشهر التى تشهد أحداثا سياسية، ولاحظ التقرير ارتفاع وتيرة الاحتجاجات العمالية بنسبة 25% عن العام الماضي (2015) الذي شهد 1117 احتجاجا عماليا بمتوسط 93 احتجاجا شهريا و 372احتجاج خلال 4 أشهر.
¨ الفئات المنظمة للحراك الاحتجاجي العمالي :
تصدر عمال المصانع والشركات الفئات المنظمة للحراك الاحتجاجي العمالي بعدما نفذوا 107 احتجاجا بنسبة 21.7% ، وجاء العاملون بقطاع الصحة كثاني الفئات المحتجة بعدما نظموا 91 احتجاجا بنسبة 18.4% ، تلاهم العاملون والموظفون بالهيئات والوزارات الحكومية الذين نظموا 88 احتجاجا بنسبة 17.8% ، في حين نظم أصحاب الأعمال الحرة 58 احتجاجا بمتوسط 11.8% من الاحتجاجات العمالية، فيما ارتفعت المعدلات الاحتجاجية للعاملين بقطاع النقل الذين وصلت احتجاجاتهم لـ 49 احتجاجا خلال فترة التقرير بنسبة 10% من الاحتجاجات العمالية، وانعكست الأزمات المستمرة لقطاع التعليم على احتجاجات العاملين بهذا القطاع والتي وصلت 41 احتجاجا مثلت8.3% من اجمالى الاحتجاجات.
شهدت فترة الرصد ارتفاعا واضحا في الانتهاكات التي تعرض لها المحامون بشكل انعكس في 27 احتجاجا خلال فترة الرصد، بينما شهدت نفس الفترة عصفا متعمدا بحقوق الصحفيين والإعلاميين بشكل عكسه 19 احتجاجا نظمهم الصحفيون والإعلاميون ، وانخفضت معدلات الاحتجاجات التي نظمها العاملون في القطاع الأمني بشكل يعكس مزيدا من رضى هذا القطاع الذي تقلصت احتجاجاته لتصل لـ 6 احتجاجات فقط، بينما لم تعكس 7 احتجاجات للعاملين بقطاع السياحة مدى التدهور الجذري الذي شهده هذا القطاع .
¨ مطالب الحراك الاحتجاجي العمالي خلال فترة الرصد :
لأول مرة منذ 2011 تشهد الاحتجاجات العمالية غيابا تاما للمطالب السياسية أو المدنية حيث جاءت 99.2% من الاحتجاجات العمالية متعلقة بمناخ العمل بشكل مباشر تصدرها المطالبة بالمستحقات المالية للقوى العاملة والتي نظمت 135 احتجاجا لهذا السبب بنسبة 27%من اجمالى المطالب، حيث تفاقمت مشكلة الأجور خلال السنوات الماضية وتوقف أجور العمال بالأعوام خاصة بعد تعطل صناعات بأكملها مثل صناعة الغزل والنسيج مما جعل عمال شركة مصر ايران على سبيل المثال والبالغ عددهم 2800 عامل ينتظرون رواتبهم لمدد تراوح الـ 10 أشهر بشكل أثر على حياتهم بشكل جذرى وأفضى بتفكك أكثر من 40 أسرة حتى الآن، في نفس الوقت الذي لا يزال عمال مصنع سجاد دمنهور التابع للأوقاف المصرية يناضلون من أجل رفع رواتبهم التي تتراوح بين 370 جنيها للغير مثبت و 470 جنيها للمثبت بشكل يثير انتهاكا واضحا لأبسط القواعد المنظمة للأجور العادلة، وهناك آلاف وربما ملايين العمال المتشابهة ظروفهم وأوضاعهم مع المثالين السابقين.
في حين طالب 58 احتجاجا عماليا بالتعيين والأمان الوظيفي بشكل مثل 12% من المطالب ، وجاءت مطالب العاملين بقطاع النقل لتتصدر 44 احتجاجا بشكل يعكس اشكالية واضحة في إدارة عملية هذا القطاع في مصر.
مثل أفراد جهاز الشرطة في مصر رابع أكبر معوقات العمل، حيث خرج 40 حراكا احتجاجيا ضد اعتداءات العاملين بقطاع الشرطة على القوى العاملة، ومثل المحامون والأطباء والسائقون والصحفيون وعمال اليومية/السريحة أبرز الفئات التي تعرضت لتلك الاعتداءات التي وصلت للقتل في أحيان عدة بشكل عكس خللا واضحا في إدارة الجهاز وجعله معوق من المعوقات التي يواجهها القوى العاملة المصري.
26 احتجاجا عماليا خرجت ضد النقل والفصل التعسفي وقطع الأرزاق حيث تشهد الدولة المصرية منذ 2011 حتى الآن إغلاق حوالي7000 مصنع وشركة تضم قرابة 2 مليون عامل، ومعاناة سوق العمل المصري من كساد تام في قطاعات مثل الغزل والنسيج والسياحة وغيرها من المجالات، مما يجعل المطالب المتعلقة بالفصل وقطع الأرزاق سوف تتفاقم خلال الفترة القادمة ناهيك عما تحدثه تلك الإنتهاكات من خلل كامل في نظام الدخل الفردي والقومي وما تنتجه عمليات غلق المصانع والشركات ليس فقط كخسارة على مئات الآلاف من العمال وأسرهم بل أيضا في أحجام رأس المال المستثمر وحجم إنتاجية السوق المصري، والاقتصاد المصري بشكل عام.
5 احتجاجات للصحفيين للمطالبة بالإفراج عن زملائهم وحملة تقديم بلاغات كشفت ما تعانيه حرية الإعلام في مصر وخاصة بعدما قبض على أكثر من 53 صحفيا ومراسلا خلال ايام وتم الإعتداء عليهم وعلى المعدات الخاصة بهم والاطلاع على بياناتهم الخاصة بهواتفهم وأجهزة الحاسبات الشخصية، بالإضافة لاحتجاجات الصحفيين للمطالبة بتمكينهم من المعلومات ولمزيدا من الشفافية، الأمر الذى يدعو لإتخاذ تدابير فورية للحد من الانتهاكات التي تطال الصحفيين والإعلاميين في مصر كقطاع أساسي من قطاعات القوى العاملة ومؤشرا أساسيا لحال الحريات في مصر.
مثلت حالة الاحتجاج ضد تحرش أحد المديرين بالعاملات في أحد مصانع الغزل والنسيج واحدة من الحالات التي تعكس بداية تحرك السيدات بشكل علني واحتجاجي ضد التحرش في أماكن العمل، كما عكست تلك الحالة بما احتوته من تفاصيل عن العديد من ملامح الفساد التي تتستر على جرائم التحرش في أماكن العمل حيث قدمت المحتجات العديد من الشكاوى الإدارية ضد المدير المتحرش والتي لم ينظر في إياها إلا عندما تم إحالة الأمر للنيابة.
4 احتجاجات عمالية فقط خرجت عن سياق المطالب العمالية 2 منهما كانا لاحتجاج المحامين ضد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للجانب السعودي، وأحدهم نظمه الصحفيين ضد رعاية رئيس الجمهورية لاحتفالاتهم باليوبيل الماسى للنقابة، وأخرها احتجاج ضد تصريحات السبكي ضد سيدات الصعيد ونُظم من قبل مجموعة من المحامين والصحفيين.
خروج الاحتجاجات العمالية لأسباب قهرية تتعلق بمقاومة الفصل والتشريد وقطع الارزاق بكافة أشكاله، والوقوف ضد العبث بالأجور التي لا تكفى سوى لتلبية الحد الأدني، وخروج المحتجن ضد الإعتداءات الأمنية وضد الفساد بمؤسساتهم ، جاء الرد عليه بفصل 43 عاملا بسبب الاحتجاج أو الدعوة له فى خمس مؤسسات فقط تم رصدهم ، عوضا عما تم فصلهم لنفس السبب دون أن يشملهم التقرير.
¨ اشكال ووسائل الاحتجاج العمالي :
انتهجت القوى العاملة المحتجة 20 أسلوبا/شكل/أداة للاحتجاج ، وجاءت 95% من احتجاجاتهم سلمية ومتماشية مع الدستور المصري والتشريعات الدولية المنظمة للحق في التظاهر السلمي والاحتجاج والتي صادقت عليها الدولة المصرية، وجاء على رأس تلك الأشكال الاحتجاجية 214 وقفة احتجاجية و 99 إضرابا عن العمل، و36 تظاهرة، و 31 اعتصاما، و 28 حالة تقديم مذكرات/ شكاوى ، و25تجمهر ، و 16 إضرابا عن الطعام، بينما نظمت القوى المحتجة 7 حملات مقاطعة و 6 حملات جمع توقيعات بالإضافة لمؤتمر احتجاجي وحملة الكترونية احتجاجية.
وجاءت أشكال العنف الاحتجاجي متمثلة في حالة انتحار و 3 حالات محاولة انتحار، بالإضافة لـ 14 حالة قطع طريق ، 3 حالات اغلاق شركات وحالتى لاقتحام شركة ومثليتها لمنع عمال أجانب من دخول شركة، لكن كافة تلك الحالات لم تتعد الـ 25 حالة بنسبة 5% من الاحتجاجات العمالية أي أن الاحتجاجات العمالية اتسمت بالسلمية في مجملها بإمتيار.
¨ المناطق والقطاعات التي شهدت الحراك الاحتجاجي العمالي:
1. مؤسسات العمل التي شهدت حراكا احتجاجيا:
عمت احتجاجات القوى العاملة 170 مؤسسة عمل بالإضافة لعشرات الاحتجاجات التي لم تضمهم مؤسسات عمل مثل السائقين وأصحاب المحال التجارية وغيرها، لكن المؤسسات الـ170 التي رصدها التقرير تتمثل في 54 شركة وفرع لشركة، و52 مستشفى، و26 مؤسسة أو هيئة حكومية، و 13 مصنعا، و11 محكمة، 7 مؤسسات تعليمية من مدارس وجامعات، وميناءين بحريين.
2. القطاعات الجغرافية التي شهدت الحراك الاحتجاجي العمالي:
غطت الاحتجاجات العمالية 27 محافظة مصرية، تصدرتها القاهرة التي شهدت 113 احتجاجا بمتوسط 23% من الحراك العمالي، تلتها محافظة الغربية التي شهدت 40 احتجاجا وتأتي البحيرة كثالث المحافظات احتجاجا عماليا بـ 32 احتجاجا، فيما تصدر اقليم القاهرة الكبرى( القاهرة-الجيزة-القليوبية) الأقاليم الاحتجاجية بـ 144 احتجاجا ، تلاها اقليم الدلتا ( كفر الشيخ-المنوفية-الغربية-الدقهلي ة-دمياط) والذي شهد 110احتجاجا، فيما شهد اقليم القناة(الشرقية-السويس-الاسماعي لية –بورسعيد-شمال سيناء-جنوب سيناء) 63 احتجاجا ، اقليم الاسكندرية (الاسكندرية-البحيرة-مرسى مطروح) 60 احتجاجا وشهدت اقاليم الصعيد الثلاثة (شمال ووسط وجنوب) 111 احتجاجا عماليا.
¨ ضحايا الأمن والسلامة المهنية خلال فترة الرصد:
رغم مئات الإصابات وحوادث العمل التي تقع يوميا في مصر إلا أن الإعلام المصري قد سلط الضوء على 10 حوادث فقط نتج عنهم 8قتلى بالإضافة لـ 109 مصاب بإصابات خطيرة منها 101 إصابة بالحرق منها 80 حالة حرق ناتج عن انفجار أفران وحرائق و 21 حالة إصابة بحروق كميائية. في الوقت ذاته الذي صرح وزير القوى العاملة السابق خلال فترة التقرير أن معظم أحداث الإصابات والوفيات الناتجة عن التفريط في السلامة والأمن المهني تتعلق بأخطاء العمال.
على الرغم من تصريح الوزير عن وجود 27 حالة وفاة من العمال خلال عام 2015 وفق مرصد الوزارة، فإن مرصد المؤشر قد رصد وقوع أكثر من 54 حالة خلال نفس العام محل تصريح وزارة القوى العاملة، وهو ما يعكس إما قصورا في أداء الوزارة لأعمالها أو محاولة لتشويه الوقائع والأحداث في مقابل إعطاء صورة غير حقيقية وأقل خطورة من الواقع. واستكمالا للتضارب المستمر في الأرقام والإحصائيات التي تنشرها وزارة القوى العاملة فإن الوزارة قد صرحت أنها قامت بالتفتيش على أكثر من 41 ألف منشأة خلال 2015جاء تصريح بعده ليؤكد التفتيش في نفس الفترة جاء على 12 ألف مؤسسة وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول حقيقة أنشطة التفتيش وتصريحات الوزارة المتعلقة بالأمن والسلامة المهنية بشكل عام.
¨ سياسات الدولة تجاه القوى العاملة ومشكلاتهم :
1. وزارة القوى العاملة تعجز عن حل أكثر من 75% من المشكلات الاحتجاجية للعمال :
أقرت وزارة القوى العاملة بإسهامها في التسوية الودية لـ 303 شكوي عمالية جماعية، من إجمالي 1561 تلقتها، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الباقي منها، فضلا عن تسوية 1392 شكوى فردية من إجمالي 5322 شكوى ، وتم إحالة الباقي منها للمحاكم العمالية المختصة بناء على طلب الشاكين بعد تعذر تسويتها وديا، أي أن الوزارة استطاعت وضع حلول وتسويات لـ 19.4% من الشكاوى العمالية الجماعية و 26% من الشكاوى الفردية، وأحالت 1258 شكوى جماعية و 3930 شكوى فردية للقضاء أو لإتخاذ الإجراءات القانونية وهو ما يعكس إخفاق الدولة في وضع حلول لأكثر من 77% من مشكلات العمال، في الوقت ذاته تتنهج الوزارة و الاتحاد العام لنقابات عمال مصر موقفا معاديا من أية منظمات أهلية أو نقابات مستقلة تحاول المشاركة في وضع حلول رغم اعتراف الدولة بأنها لا تستطيع سوى إحالة 77.5% من المشاكل العمالية للقضاء الذي غالبا ما يطول انتظار أحكامه في القضايا العمالية التي تننظر أحكامها سنوات حتى الإصدار ويبقى العمال طوال تلك السنوات إما مشردين خارج أماكن أعمالهم أو معلقة حقوقهم بإنتظار حكم قضائي عادل.
2. إعادة انتاج السياسات القديمة وغياب الإبداع سمة الدولة في التعامل مع مشكلات العمل :
منذ عصر مبارك ووزيرته للقوى العاملة والوزارة تنتهج نفس الأسلوب القائم على اعتماد كافة أنشطتها على تقديم مساعدات لا تثمن ولا تغني للعمال الذين توقفت رواتبهم حيث تتراوح تلك المساعدات بين 500-750 جنيها للعامل ولمرة واحدة في أغلب الأحوال وغالبا ما يكون العامل متوقفا عن صرف راتبه لمدد تتجاوز العام بشكل يجعل تلك الاعانات مجرد مسكن لحظي ولا تقدم أي حلول ورغم مئات الملايين التي يُعلن عنها إلا أن تلك الملايين لا تستطيع بأي شكل من الأشكال تلبية احتياجات عمال مصنع واحد تم إغلاقه وعلى سبيل المثال مصنع الشركة القابضة للغزل والنسيج التي تصل قوتها لـ 50 ألف عامل وتصارع من أجل تجنب التصفية فإن صرف رواتب بحد 1000 جنيه للعامل يتطلب 50 مليون جنيه شهريا.
السياسة السلبية الممتدة منذ القدم هي إعلانات الوزارة عن الوظائف التي لم تتدخل في خلقها وحاليا تقوم الوزارة بإعادة الإعلان عن وظائف الشركات والمصانع والمحال التجارية وشركات التوظيف على أنها وظائف خلقتها أو وفرتها الوزارة بشكل عار تماما من الصحة ، كما تقدم العديد من المتقدمين بشكاوى بخصوص عدم جدية تلك الوظائف التي تعد معظمها وظائف رخيصة أو لا تتضمن وظائف تتناسب مع المؤهلات التعليمية والمهارية للقوى العاملة.
في حين تصر الوزارة على الافتخار بـ 51 مركزا للتدريب لم تقدم بشكل موثق أي خدمات حقيقية للمواطن ولم نجد أية خطة استراتيجية لعمل تلك المراكز وربطها بالمؤسسات التعليمية أو العملية، وعلى سبيل المثال فإن بعض تلك المراكز قد منح دورة في برنامج الكتابة على الكمبيوتر word للعاملين على الكمبيوتر بإحدى الهيئات، وللقاريء أن يتخيل عامل على جهاز حاسب آلي في العام 2016 لا يستطيع التعامل مع برنامج الكتابة، بشكل يعكس عشوائية تلك المراكز وافتقارها لما يحتاجه المواطن منها.
3. الفشل الإداري يكلف الدولة المليارات:
في الوقت الذي تتسبب فيه بعض القرارات الفاشلة أو غير المحسوب نتائجها في إضراب في أحد موانيء الدولة لمدة 18 يوما بشكل كلف الدولة قرابة 40 مليون جنيه في هذا الإضراب ويهدد سير العمل بمنفذ بحري يدر على الدولة 5 مليار جنيها سنويا، تعاني مصانع السكر في الحامول من تراكم 105 ألف طن سكر بقيمة 425 مليون جنيه نتيجة عدم القدرة على نقل وتسويق هذا المنتج، لكن وعوضا عن التفكير في حلول لتلك الطاقة المعطلة تقوم الدولة بتأسيس الشركة الشرقية لصناعة السكر بتكلفة 12 مليار جنيه وتوقع القوى العاملة بروتوكول تعاون لتوفير العمالة الفنية لتلك الشركة، بشكل يوضح خللا في رؤية الدولة للاستثمار وعشوائية في التنمية الاقتصادية تخسر الاقتصاد المصري المليارات وتدفعه للهاوية بأقصى سرعة.
لكن هذا ليس بغريب ولكنه امتدادا لتصريحات تتعلق ببناء 1000 مصنع جديد و 15 منطقة صناعية جديدة تستقبل 30 ألف عامل بتكلفة مليارات الجنيهات في الوقت الذي يعاني فيه 7000 مصنع وشركة من الإغلاق والافلاس منذ 2011، منها 2500 مصنع للغزل والنسيج يستطيع مصنع واحد فقط منها احتواء 50 ألف عامل، وهو ما يطرح تساؤلا هاما حول أولويات التنمية بالنسبة للدول ؟ هل بناء مناطق صناعية قليلة الكثافة بتكلفة عالية هي الأهم في وقت تستطيع تلك الاستثمارات إحياء صناعات راسخة وممتدة مثل النسيج أو الصناعات المعدنية وغيرها ؟
4. عداء الدولة الأزلي مع الحريات النقابية:
لا تزال وزارة القوى العاملة و اتحاد نقابات عمال مصر ينتهجون مسارا عدائيا ضد كافة الأصوات الخاصة بالنقابات المستقلة أو الداعية لها ومعظم المنظمات المدنية الهادفة للعمل على حقوق العمل، وتعد تلك السياسات امتدادا لسياسات الحكومة التي ترى في التنظيم النقابي المستقل الشيطان الأعظم والمسبب للاحتجاجات العمالية، في الوقت الذي تعد فيه القوانين العمالية مثل قانون العمل الجديد ليضع العديد من القيود على التنظيمات النقابية المستقلة ويعظم من فكرة إقصاء الصوت المعارض أو المستقل و يدعو كغيره من القوانين لتدشين الجماعة الواحدة للعمال التي غالبا ما تكون تحت سيطرة الدولة أو بالأحرى السلطة التنفيذية.
5. الإزدواجية في التعامل مع المنظمات العمالية الدولية:
نعم تتفاخر الدولة بوزارتها وإتحاد عمالها بما تبرمه من اتفاقيات مع منظمات مثل العمل الدولية أو بالأنشطة المشتركة بينها وبين تلك المنظمات أو حتى بما تستقبله من منح مالية ودعم فني من تلك المنظمات لكن في الوقت الذي تقدم فيه تلك المنظمات مطلبا لرئيس السلطة التنفيذية يتعلق بأهمية كفالة الدولة للحقوق والحريات النقابية تنقلب الدولة رأسا على عقب ويتحول التفاخر بالشراكة لهجوم مطلق واستنكار ورفع لشعارات التدخل في شئون داخلية، بشكل لا يمثل سوى ازدواجية متناقضة ومحيرة في التعامل حتى مع الآخر.
¨ عودة الانتصارات القضائية لحقوق العمال استمرار تأخر إجراءات التقاضي :
شهدت فترة الرصد 6 أحكاما تتعلق بمشكلات عمالية انتصر فيهم القضاء لمطالب العمال وحقوقهم مثل تبرئة المتهمين الصادر ضدهم أحكاما بالحبس والغرامة من عمال مكتبة الإسكندرية، وحكمًا بأحقية العاملين بأسمنت طرة، والسويس، والنيل للتنكات، وسيناء للمنجنيز، وفندقي ماريوت القاهرة وبريزدنت الزمالك، في الأرباح والعلاوات وحافز جذب للعمالة، ومقابل عمولة الخدمة، وحكما ثالثا بتعويض 5 عاملين بشركة صناعات الزيوت المتكاملة، بسبب فصلهم، ورابعا بالحكم بأحقية عامل بالشركة المصرية لغزل ونسج الصوف والقطن (إسكو) في بدل المخاطر بنسبة 40% من أجره الأساسي على ان يتم صرفها بأثر رجعى لمدة خمس سنوات، بشكل يؤكد أن العمالة المصرية لديها من الوعي ما يجعلها تخرج للتظاهر من أجل حقوق مشروعه وقانونية، وأن القضاء بأحكامه قد جعل من تلك المقولة حقيقة مؤكدة للجميع.
الملاحظة الثانية هي التأخر في الإجراءات القضائية بالقضايا العمالية والتي قد تستمر لسنوات، على سبيل المثال فإن القضية الأولى المتعلقة بعمال مكتبة الاسكندرية تنظر بالمحاكم من 2011 وحتى الآن وقضية عامل شركة اسكو كانت للبت في مستحقات متأخرة من 2007 ، في الوقت الذي حصل فيه مجموعة من العمالة المصرية على حقوقهم من أحد المحاكم بأثينا في وقت لم يتجاوز أسبوع واحد، وهو ما يدفع المؤشر للتوصية بوضع إطار قضائي يعزز من فكرة إنجاز وسرعة إجراءات التقاضي في القضايا العمالية.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء