مؤشر الديمقراطية يطرح ملف "مطالب شعب" للمرشح الرئاسي معتمدا على تحليل 14270 احتجاج‎





أخفق أخر ثلاثة رؤساء للجمهورية المصرية في التعامل مع الإحتجاجات و المحتجين ومطالبهم و فكرة الحق في التظاهر فى حد ذاتها؛ ففي الوقت نفسه كانت المظاهرات و الإحتجاجات الفئوية هي الممهد الأول لتنحي الأول و عزل الثاني و التهديد المستمر لدولة الثالث ، و هو ما دفع المؤشر لتقديم رصده و رؤيته و تساؤلاته للمواطن المصري أولا و للمرشح الرئاسي أو الرئيس القادم ، معتمدا في تقريره هذا على أكثر من 56000 خبر صحفي و 18 تقرير رصد و مئات المتابعات/المشاهدات الميدانية لفريق عمل المؤشر و مجموعة من أوراق العمل و اللقاءات / الملتقيات الحوارية ،  قام خلالها برصد 14270 إحتجاج خلال الفترة من غرة يناير حتي نهاية ديسمبر 2013 ، في محاولة منه لرسم خريطة الإحتجاج أمام الرأي العام المصري ، للمساعدة في رسم ملامح مطالب المواطنين المصريين و تطلعاتهم بشكل يساعد في ترتيب أجندة المواطن والمرشح الرئاسي وفق مطالب المواطنين و تطلعاتهم . 
و رغم أن أطروحة تعطيل الحق في التظاهر قد أخذت رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة إلا أنها تمثل خطرا حقيقيا على الدولة المصرية ، ربما هو أكثر خطورة من بقائها حتى مع العديد من السلبيات التي تشوبها ، لذا لزم على المؤشر التوضيح أن هذا العمل هو إسهاما منه في توضيح كيف أن الإحتجاج السلمي هو آداة فاعلة ليس فقط لحرية التعبير ، بل أنه مسارا أساسيا للتعرف على مطالب الشارع و التوصل لحلول ترضي طموحات المواطن المصري و تكفل حقوقه و حرياته في زمن لم يعد فيه القمع أو المواجهة أو التخوين و التخويف سبيلا لمواجهة مطالب شعب ربما أبى أن يحيا مجددا في أرض الخوف.
يعرض هذا التقرير نقطتين رئيسيتين تتمثلان في الآتي :
·         مطالب الشارع المصري التي عبر عنها من خلال 14270 إحتجاج شملت كافة محافظات الجمهورية .
·         طبيعة الفئات المحتجة و آليات التعامل معها .



أولا : مطالب الشارع المصري خلال 2013 :
1.    المطالب الإقتصادية والإجتماعية :
برغم ما ألقاه الوضع السياسي المتأزم من ظلال على إحتجاجات العام 2013، إلا أن المطالب الإقتصادية والإجتماعية تصدرت المشهد خلال النصف الأول من العام وقتما كانت تمثل قرابة الـ70% من المطالب الإحتجاجية ثم أخذت في الإنحسار لتصل لقرابة الـ20-30% في النصف الثاني من العام، تحت وازع ورغبة العديد من الفئات المحتجة لإعطاء فرصة للنظام الجديد لإثبات حسن نواياه ليصل معدل تمثيلها العام خلال 2013 لحوالي 40% من المطالب الإحتجاجية عبرت عنها 5271 إحتجاج، و التي حاول المؤشر أن يضعها في مجموعة من الملفات التي تمثل أساس مطالب المواطن المصري ومشكلاته الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، والتي تتلخص في التالي :
         i.     حقوق العمل : رفع 3212 إحتجاج مطالب خاصة بالحق في العمل أو بالحقوق المتعلقة بالعمل بأجر ملائم و وفق مناخ ملائم يحترم حقوق المواطن وآدميته، وهو ما جعل هذا النوع من المطالب يعد الأكثر و الأول على خريطة المطالب الإحتجاجية بشكل عام ، و المطلب الذي شاركت فيه غالبية الفئات المحتجة من عمال و موظفين و أطباء ومعلمين و أصحاب أعمال حرة وحرفيين و القطاع الأمني و الطبي و الجهاز الإداري و غيرها من الفئات التي خرجت من أجل حقوق العمل و التي جاء على رأسها المطالب التالية
-   1052 إحتجاج للمطالبة بمستحقات مالية من أجور و حوافز متأخرة و المطالبة بكادر و المطالبة بتحسين منظومة الأجور و المرتبات و إنتظام الحصول على المستحقات المالية و غيرها من المطالب التي تعكس خطرا هاما يتعلق بالأيدي العاملة المصرية التي تقع بين مطرقة تدني وشح الأجور و المرتبات وسندان الغلاء ، دون وجود حلول عملية تضع على أولويتها قضية الحد الأدني و الأقصى للدخل ، تلك القضية التي أخفق الجميع في إيجاد حلول لها ، بالإضافة لقضايا عدة أهمها ما تواجهه الأيدي العاملة من إنتهاكات تتعلق بقيمة أو طبيعة ما تتقاضاه من أجر ، وتضع أمام الرئيس القادم تحد واضح في تنظيم و إعادة هيكلة الأجور و المرتبات في مصر بكافة القطاعات من قطاع عام وخاص و قطاع أعمال.

-    العمالة المؤقتة خرجت في 486 مظاهرة لتعبر وبقوة عن تضررها من وضعها الحالي و مطالبة بالتثبيت أو التعيين كأحد حقوقها الأساسية، عوضا عن وضعها المهدد دائما و غير المأمون أو كافل لحقوقهم ، طارحة أمام الرئيس و الدولة تحد آخر حول تقنين أوضاع العمالة المؤقتة و حماية حقوقهم في عمل يحقق لهم الإستقرار و الإستدامة المادية و الوظيفية.
-   قرارت النقل و التعنت وسوء المعاملة و الإعتداءات والجزاءات و الإحالة للتحقيق ، تلك الإنتهاكات المتواصلة على العاملين بمعظم قطاعات الدولة مثلت جانبا مهما من مطالب المحتجين المصريين ، حيث رفع أكثر من 370 إحتجاجا ضد تلك الإجراءات التعسفية و المهينة و أصبحت مؤشر خطيرا عن ترك الدولة لسوق العمل المصري دون أدني حماية للعامل أو تنظيم لهذا السوق.
-   الفصل من العمل بشكل أو بآخر سواء بقرار إداري أو بتصفية العمال و خصخصة الشركات أو بغلق أماكن العمل لأصحاب الأعمال الحرة ، كلها أسباب أدت لخروج أكثر من 170 إحتجاجا عبروا عما يواجهه دولاب العمل المصري من صعوبات تهدد ملايين الأسر المصرية من خلال سياسة إهمال و قطع أرزاق ، فكيف سيكون تعامل الدولة المصرية مع قضية تأمين العامل المصري و حمايته من مثل تلك السياسات والإجراءات المجحفة.
-   عبر المحتجون في 281 عن رفضهم ومقاومتهم للفساد والمحسوبية و ضد ما أسموهم مسئولين/مدراء فاسدين ، وهو ما يوضح الخطر التي يواجهه سوق العمل المصري نتيجة استشراء الفساد والمحسوبية ، وكذلك الدور الذي تقوم به الأيدي العاملة في التصدي لهذا الفساد و تلك المحسوبية ، فكيف ستتصدي لهم الدولة و رئيسها ، علما بأن الفساد و المحسوبية كانا المحرك الأساسي لإنتفاضة الشارع المصري في يناير و يونية.
-   البحث عن فرص للعمل كانت محور مطالب المواطنين و الشباب المصريين في 196 إحتجاج، فمتي ستكون هناك حلول عملية و حقيقية لمواجهة ما فعلته البطالة في مصر وما نشرته من أمراض إجتماعية و إقتصادية و ماهية تلك الحلول ؟
-    هناك أيضا مئات الإحتجاجات المنفردة من قطاعات متنوعة نادت بالعديد من المطالب المتنوعة الشعار لكنها في الأساس تندرج تحت مبدأ إتاحة الفرص الأولية اللازمة لتيسير الأعمال أو الحفاظ على مناخ العمل أو الأمن الصناعي أو تطوير العمل ، في شكل يعكس شعب يرغب بالعمل و نظام لا يستطيع أن يوفر حتى مناخا صالحا للعمل أو كافلا و حاميا لحقوق المواطن المصري المتعلقة بالعمل، فكيف ستتعامل الدولة المصرية مع كفالة منظومة تلك الحقوق الضائعة منذ عقود
                  ii.            السكن، و المرافق والخدمات، و الوقود و الطاقة  :
561إحتجاج جاءوا للمطالبة بالخدمات و المرافق ( انقطاع/تلوث مياه – مشكلات الصرف الصحي – أزمات الطرق – الري ..الخ ) في صورة تعكس إستمرار أزمة المرافق والخدمات في مصر و تناميها بعد ما مرت به الحكومات المتعاقبة من حالات لإهمال تقديم تلك الخدمات فإنعدمت أو أصبح الحصول عليها معاناة لا تؤدى لأي مقابل و تعكس تساؤلا حول غياب دور الدولة في تقديم تلك الخدمات وإعتمادها الآن بشكل جوهري على المنظمات الخيرية أو مشروعات المعونات الإقتصادية .
أما فيما يتعلق بالأزمات الخاصة بالحصول على مسكن ملائم فقد خرجت 113 مظاهرة للمطالبة بها في حين خرجت عشرات التظاهرات للمطالبة بإبعاد المخاطر المتعلقة بمخلفات المصانع عن منازل المواطنين في دولة تعرض مواطنيها لأشد أنواع المخلفات فتكا و ضررا من أجل إرضاء مستثمريها ، بينما خرجت اكثر من 40 إحتجاج للمطالبة بتقنين أوضاع أراضي البناء.
العديد من الحقوق المتعلقة بالسكن تقف أمام الدولة المصرية في إنتظار إجابات و تدخلات سريعة خاصة واننا نعيش في دولة تمر بها حقوق السكن بأزمة حقيقية تتداخل فيها قدرة المواطن على الحصول على هذا الحق بمقابل ملائم و ظروف ليست بهذا الجشع أو الفساد أو الإهمال ، فكيف ستتجاوب الدولة مع تلك التحديات ... هو سؤال مطروح للمرشح الرئاسي الذي يمثل أعلى هرم السلطة التنفيذية.
-   أزمة الوقود المستمرة كانت حاضرة و بقوة على خريطة الإحتجاجات خلال العام 2013، حيث خرجت 259 إحتجاج للتضرر من أزمة السولار والمازوت في حين خرجت 74 إحتجاجا للتعبير عن التضرر من أزمات إسطوانات الغاز المتكررة ، بشكل يعكس تضرر المواطنين بالمنازل و اصحاب الأعمال و العمال و العديد من قطاعات الدولة من تلك المشكلة التي لن تنتهي بوعود حالمة أو بمسكنات تضر أكثر مما تنفع ، ولكنها يلزمها العديد من الإجابات التي تعكس إستراتيجيات علمية و واقعية و قابلة التحقيق و التنفيذ والتطوير والمتابعة ، فما هية تلك الإستراتيجيات التي يطرحها المرشح الرئاسي أو الدولة حول هذا الموضوع

      iii.     البيئة التعليمية : شهدت المؤسسات التعليمية المصرية أكثر من 2000 إحتجاج خلال العام المنقضي لكن 591 إحتجاجا فقط تعلقوا بمطالب خاصة بالبنية التعليمية في مصر من مشكلات إدارية و أخرى تتعلق بسياسات الوزارات المختصة وقراراتها و ثالثة بمشكلات تتعلق بإقتحام الأراء السياسية للمناخ التعليمي ورابعة تتعلق بما يواجهه القطاع من تحديات في بناه التحتية ، وغيرها من الإشكاليات التي تضع التعليم المصري في أزمة أسوأ من أزماته قبل 2011، و هو ما يوجب على الدولة تدخلا فوريا لحماية منظومة التعليم المصري من الإنزلاق في مستنقع التردي أكثر من ذلك ، فما هي تلك السياسات و الإجراءات القادرة على الصعود بالمستوى التعليمي و الإرتقاء بالمؤسسات التعليمية وإنتشالها من هذا الإنزلاق الإنحداري الوعر.
       iv.     القطاع الصحي : المرضى لا يحتجون و لكنهم فقط يتألمون ... هذا ما يجب على الدولة المصرية أن تدركه و أن تعي جيدا أن مظاهرتين فقط نظمهم المرضي لا يعبرون عن حجم ما يواجهونه من إنتهاكات لكافة حقوقهم داخل المستشفيات المصرية فمؤشر الديمقراطية قد رصد من داخل العديد من المستفيات مآس و إنتهاكات و كوارث تتعلق أولها بعدم إتاحة العديد من الخدمات العلاجية للمرضي من الفقراء حتى مع تعديل إجراءات قرارات العلاج على نفقة الدولة ، ناهيك عن سوء المعاملة و التأخر في الحصول على الخدمة وعدم فاعلية بعض الأدوية الهامة مثل أدوية علاج السرطان و غياب الإفصاح عن حجم مئات الآلاف من مرضي الفيروسات المنتقلة عبر الدم مثل فيروسات أمراض نقص المناعة/الإيدز و الإلتهاب الكبدي ، ناهيك عن الأكثر من 100 ألف حالة مريض بالسرطان سنويا على أقل تقدير ، و في وسط تلك الكوارث تأتي حقوق الأطباء في راتب و ظروف عمل ملائمه لتدخلهم في صدام مع الدولة لم يخسر فيه سوى المريض المصري ، فهل يجد هذا المريض من يسمعه أو يعبر عن حقوقه التي لم تقو صحته على مساعدته في التعبير عنها ، أم أنه سيظل عرضة للمرض و الموت و الإهانة طوال حياته المرضية؟! v.
        v.     الزراعة : 49 إحتجاجا نظمهم الفلاح المصري للمطالبة بالعديد من الحقوق المنتهكة و المتعلقة بالأراضي و الري و الأسمدة و تنظيم الزراعة و أسعار المحاصيل و ما يواجهه من إهمال بين ، لكن تلك الإحتجاجات لم تكن لتعبر عن مشكلات المزارع المصري أكثر منها تعبيرا عن مدى صمته وصموده و محاولة تكيفه مع كافة ما يتعرض له من إنتهاكات متنوعة و متعددة في شكل يعكس وكأن الدولة المصرية لديها إستراتيجيات لهدم منظومة الزراعة لا لتطويرها . لكن المواطن أيضا أصبح عرضة لما يتعلق بالكم الهائل من المسرطنات و المواد غير الأدمية التي أضحت جزء من مكونات المنتجات الزراعية ، وبين هذا وذاك تقف الدولة في موقف المشاهد غير القادر سوى على التصريحات حول أهمية الفلاح و دوره في إطعام الوطن ناهيك عن الوعود التي تتسارع على أذهاننا من كافة المرشحين و المسؤلين بالدولة دون أي واقع ملموس.
       vi.     السياحة : كغيرها كانت السياحة احد أكثر الإستثمارات تضررا من الأحداث السياسية المتعاقبة منذ 2011، دون وضع أدني حلول من قبل الدولة أو خطط أو سياسات أو حتى تحركات، ولكن الأمر لا يوصف أكثر من كونه تدهور متزايد و إخفاق تام في إستعادة الإستثمارات السياحية أو حتى مساعدة المتضررين.
عكست المطالب الإقتصادية والإجتماعية التي طالب بها المواطن المصري أنه لا يسعى للرفاهية في مطالبة ولكن لا يزال يناضل من أجل حقوقه الأساسية و الضرورية للبقاء على قيد الحياة دون عوز أو فقر أو مرض ، فهل بعد كل تلك التحركات و الثورات يصبح من الصعب حصول المواطن المصري على أبسط حقوقه الإقتصادية.

2.    المطالب المدنية و السياسية 

حمل العام 2013 موجات إحتجاجية متداخلة الأسباب و متعددة المطالب ، و رغم أن الغلاف الخارجي لتلك الإحتجاجات يعكس توغل المطالب السياسية و صعودها لتسيطر شكلا على 63% من إحتجاجات العام يقابله 37% للمطالب الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية ، إلا أن المؤشر قد رصد أيضا تحول جذري في خريطة المطالب الإحتجاجية خلال نصفي العام الأول والثاني ، حيث تركزت 70% من مطالب إحتجاجات نصف العام الأول على المطالبة بحقوق إقتصادية وإجتماعية في حين انخفضت تلك المطالب في نصفه الثاني لتصل لـ 30% تقريبا ، و على النقيض تسيطر المطالب السياسية والمدنية على 30% تقريبا من إحتجاجات نصف العام الأول بينما ترتفع لتصل لقرابة الـ 70% في نصفه الثاني و هو ما غير شكل الخريطة الإحتجاجاية وقلبها رأسا على عقب و لكن يبقى القول أنه يجب علينا وعلى الرغم من تقسيمنا للمطالب وفق شقين أولهما مدني وسياسي و ثانيهما إقتصادي و إجتماعي ، أن ننظر للإحتجاجات ككل متكامل ، فخروج المواطنين ضد الإخوان لإزاحتهم لم يكن كرها شخصيا في الجماعة ولكنه كان بناءا على قناعة هؤلاء المواطنين بأنهم تحت ولاية نظام لا يكفل لهم حقوقهم الإقتصادية والسياسية على السواء و رغم تصنيف هذا المطلب كمطلب مدني و سياسي إلا أنه يعكس إخفاقا من قبل النظام في كفالة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية ... يجدر الإشارة إلى أن تضاؤل المطالب الإقتصادية والإجتماعية في نصف العام الثاني لم يعبر عن إختفاء تلك المشكلات أو كفالة الحقوق ولكنها تعبر فقط على فرصة يعطيها المواطن للنظام الجديد لإثبات حسن النوايا . و هنا سوف يضع مؤشر الديمقراطية ملاحظاته حول أهم المطالب والحقوق التي نادت 14270 إحتجاجا خلال العام المنقضي وفق التقسيم السابق الإشارة إليه.
خرج الشارع المصري خلال العام المنقضي في 8999 إحتجاج للمطالبة بمجموعة من المطالب و الحقوق المدنية و السياسية وهو ما مثل 63% من إجمالي مطالب إحتجاجات العام المنصرم ، لكن وقبل أن تعكس الأرقام واقعا إفتراضيا أكثر منه حقيقيا وجب التنويه أن العام المنصرم قد مثل سقوط نظام و بداية مرحلة إنتقالية ترسم ملامح نظام جديد وسط صراع سياسي ترك صبغته على كافة مناحي الحياة في مصر و جعل الإحتجاجات تبدو في مجملها قد تحركت لأسباب سياسية أكثر منها إقتصادية وإجتماعية، لكن المدقق سيلحظ أن الستة أشهر الأولى من العام قد مثلت أقوى مظاهر الإحتجاج على النظام السابق ( نظام الرئيس المخلوع محمد مرسي ) و قد تحول جانب كبير من تلك المطالب لإسقاط النظام بعدما رأوا منه الفشل في تحقيق المطالب الإقتصادية والإجتماعية و المدنية و السياسية على حد سواء، حيث تحركت 1312 مظاهرة تطالب بإسقاط نظام الإخوان و 205 إحتجاج ضد جماعة الإخوان نفسها ، و عقب 30 يونيو و ما تلاه من أحداث عزل الرئيس و أحداث فض رابعة تحولت الدولة لصراع سياسي ثأري بين الجماعة وأنصارها و بين أنصار نظام ما بعد 30 يونية و أنصاره، نتج عنه تنظيم أنصار الإخوان/النظام السابق لأكبر حراك إحتجاجي في تاريخهم بعدما نظموا في النصف الثاني من العام المنصرم 2679 إحتجاج للمطالبة بإسقاط نظام ما بعد 30 يونية أو ما أسموه بالإنقلاب العسكري ، بالإضافة لمئات الإحتجاجات ضد تحركات و سياسات النظام الجديد مثل قرار فض رابعة و الدستور الجديد و محاكمات رموز نظام جماعة الإخوان و طلابهم، بشكل يحاول إظهار وطن يحتج ضد نظام، في حين رد أنصار النظام الحالي بتنظيم 154 مظاهرة ضد الجماعة و أنصارها و مئات المظاهرات التأييدية للنظام الحالي و الرافضة لما أسموه الإرهاب ... حالة من الصراع السياسي الناتج عن صراع على السلطة بين فريق سابق و فريق أسبق و ثالث متطلع و رابع يقع فريسة للصراع بين هذا و ذاك ، لكن وبكل ما عبرت عنه المطالب المدنية والسياسية خلال العام المنقضي وقف مؤشر الديمقراطية على بعض المطالب التي تعد أساسا للحقوق المدنية والسياسية التي تقوم عليها أي دولة ترغب في أن تحترم حقوق مواطنيها و تعزز ديمقراطيتها ، و رأي المؤشر ضرورة طرحها على المرشح الرئاسي أو الرئيس القادم و تتمثل أهمها في التالي :
¿   إذا كانت الدولة خلال العام المنقضي فقط قد شهدت أكثر من 4000 إحتجاج للمطالبة برحيل و إسقاط النظام، أي أن قرابة الـ 30% من إحتجاجات العام المنقضي خرجت للمطالبة نفس المطلب رغم إختلاف الأنظمة، فكيف سيتعامل الرئيس القادم مع ما سيواجهه من مظاهرات تحمل نفس المعني ، وخاصة في حالة تزايد تلك المظاهرات للحد الذي يتعدى الـ 1000 مظاهرة ؟!
¿   1149 إحتجاجا خلال العام الماضي للمطالبة بالإفراج عن مواطنين محتجزين/مسجونين معظمهم في قضايا سياسية، بالإضافة لـ 256 إحتجاجا على محاكمة بعض الرموز السياسية ، تلك الأعداد الضخمة من الإحتجاجات تفتح أمام الرئيس القادم ملف القبض على و إحتجاز و سجن المواطنين بسبب مواقف سياسية أو تظاهر أو غيرها من معارضة النظام الحاكم ، كما تفرض عليه ضرورة إمتلاك رؤية على الأقل فيما يخص سلسلة المحاكمات المخيبة لآمال الملايين من المواطنين سواء للنظام الأسبق أو النظام السابق ، أما الأخطر فهو كيف تعبر تلك الإحتجاجات عما يتعرض له المعارضون السياسيون من قمع وتنكيل  و كيف أن الدولة عليها أن تتخلص من أدوات القمع و تخلص المعارضة الوطنية من الملاحقات الأمنية و القضائية المتلاحقة.
¿   الملف الأمني الحاضر بقوة على خريطة المطالب الإحتجاجية بعدما شهد عام 2013 تنفيذ 657 إحتجاجا ضد الإنفلات الأمني و أعمال البلطجة و الترويع المنتشرة بالدولة بالإضافة لـخروج 197 إحتجاجا للمطالبة بتطهير وزارة الداخلية أو ضد إنتهاكاتها بشكل يعكس التهديدات التي يواجهها المواطن المصري على حياته أو بشكل أدق الحقوق الخاصة  بالحق في الحياة و الحق في السلامة الجسدية و الأمان الشخصي  ... أوضاع أمنية غير مستقرة و مواجهات أمنية لا تنقطع مع العديد من الأطراف سواء على الصعيد الإجرامي أو الصعيد السياسي و لكن المحصلة بالنسبة للمواطن المصري هي لا شيء، و هو ما عكسته مطالبه و عكسته الأوضاع بالشارع المصري ، فما هي الرؤية الأمنية للرئيس القادم ، و ما هي خطته لضبط الأمن والسلام الداخلي ؟! و كيف ستراعي خطته و رؤيته حقوق المواطن المصري و حرياته خلال تنفيذها ؟
¿   القصاص هو المطلب الحاضر دائما على أجندة الإجتجاج المصرية منذ ثورة يناير وإن كان قد رفع من قبلها وقتما استشرى فساد الإهمال و موت المصريين غرقا و حرقا و تحت الركام ، لكن بعد الثورة كانت المطالب الخاصة بالقصاص لكل من قتلهم أعمال العنف ورصاصات الغدر من المواطنين المصريين على إختلاف فئاتهم و إنتماءاتهم و لكن حتى الآن ربما لم يسمع أحدا للمطالبين بالقصاص لدماء ذويهم ، و هو ما عكسه خروج 376 مظاهرة تطالب بالقصاص المترتبط بشكل أساسي بالعدالة الإنتقالية و الذي يعتبر أهم أسسه و أسس دولة سيادة العدل و القانون ، فبين مصالحة قائمة على المحاكمة أو الصفح أو المزج بين هذا و ذاك يقف الرئيس المصري مسير على الإختيار إن كان راغبا حقا في المساعدة في بناء عدالة إنتقالية تمهد لدولة العدل و سيادة القانون و التعايش و حماية دماء المواطن الإنسان و التمهيد لبناء ديمقراطية على أسس غير ملطخة بدماء المواطنين المصريين.
¿   الحق في التظاهر التي عبر عنه 153 إحتجاج وقفوا ضد قوانين ومشروعات قوانين قمع التظاهر التي فرضا النظامين و مع سياسات إقصاء و قمع المتاظهرين وتشويههم اعلاميا و تصنيفهم و تخوينهم ... هو حق يمثل أحد الركائز الأساسية لحرية الرأي و التعبير السلمي و غير مقبول في أي عهد أو ميثاق دولي أو دستور أو قانون محلي أن يتم قمع هذا الحق تحت أي دعوى أو إدعاء ، لذا فإن تعامل الرئيس القادم مع الحق في التظاهر بين القمع و الإتاحة سوف تكون أحد المحددات الهامة لمدى إحترام هذا الرئيس لهذا الحق و الحق في التعبير بشكل أشمل للحقوق المدنية و السياسية بمعناها الواسع.
الخطورة الأكثر على حرية التظاهر تتمثل في إستخدام خمس أدوات أساسية لقمعه ، وهي : أداة التشريع المقيد للتظاهر و آداة استخدام عصى الأمن لقمعه و أداة إستخدام المحاكمات السياسية تحت غطاء جنائي للمتظاهرين ثم آداة تحفيز المواطنين الموالين للنظام على قمع المظاهرات بأنفسهم ، و آخيرا آلة التشويه الإعلامي ، و للأسف يواجه المتظاهر السلمي كافة تلك الأدوات معا في الوقت الحالي في مصر مثله مثل أي إرهاربي يحمل سلاحا و يقتل و يروع أو ربما أسوأ.
¿   85 إحتجاجا قد خرجوا لأسباب تتعلق بحرية الإعتقاد في مصر و هو مؤشر خطير عن المشكلات الطائفية التي جاء على رأسها مشكلتي أقباط مصر و شيعتها و ربما لم يختلف الأمر عن زمن مبارك بل أنه أصبح أسوأ ، فلا يزال الملف الطائفي يمثل أحد الثغرات التي لم يستطع أي نظام إحكامها أو التعامل معها بشكل يكفل حقوق المصريين وحرياتهم و يحترم إعتقاداتهم دون المتاجرة بها سياسيا و العمل على تعزيز خطاب التمييز و الإضطهاد عوضا عن كفالة الحقوق والحريات.
¿   الحريات الإعلامية : تعرض الصحفيين و الإعلاميين خلال العام الماضي لكافة أشكال الإنتهاكات بداية من القتل و مرورا بالإعتداء الجسدي و الشروع في القتل و السجن والخطف و منعهم من ممارسة أعمالهم و الفصل التعسفي و الحصار و التضييق و التدخل و المشكلات النقابية و مشكلات تتعلق بسيطرة رأس المال على الإعلام وأخرى بوهن الآداء الإعلامي الحكومي و هو ما وضع الحريات الإعلامية التي هي أساس حرية الرأي و التعبير في خطر واضح و يفرض على كافة أجهزة الدولة والمنظمات المدنية ضرورة التدخل من أجل كفالة حقوق وحريات الصحفيين و الإعلاميين ، وكذلك ضبط الآداء الإعلامي بما يضمن حماية العاملين به و المواطنين المتلقين لرسائله مع ضمان حرية التعبير ضمانا كاملا.
¿   المحاكمات العسكرية للمدنيين و إحتجاجات القضاة وأعضاء النيابة و مطالب الإستقلال و التطهير و زيادة أو إنتقاص الصلاحيات جاءت إحتجاجاتها على هامش الإحتجاجات المدنية والسياسية رغم أهميتها الشديدة وإعتباراتها الرئيسية في منظومة الحقوق المدنية و السياسية ، لذا فإن المؤشر يرى أنه على النظام القادم تقديم ما يكفي من الضمانات التي تسمح بإستقلال القضاء و حق المواطن في محاكمات عادلة تحت شعار عدم تعرض المدنيين لمحاكمات عسكرية و ضمان إستقلال حقيقي للقضاء المصري و دعم و بناء جهاز تحقيق قوي يساعد في بناء منظومة عدالة لا نظام محاكمات ورقي بيروقراطي.

ثانيا : ماهية الفئات المحتجة خلال العام 2013 و أدوات المرشح الرئاسي في التعامل معها ؟
شهد العام 2013 خروج أكثر من 40 فئة من فئات الشارع المصري للإحتجاج سواء على نظام الرئيس المعزول محمد مرسي أو الرئيس المؤقت عدلي منصور ، لكن تلك الفئات لم تكن تخرج سوى للتعبير عن حاجة أو مطلب ما أو إشكالية تواجهها الدولة و هنا تفرض الخريطة الإحتجاجية على المرشح الرئاسي الإجابة على تساؤلات يأتي أهمها في التالي :
-   ما هي آلياته للتعامل مع إحتجاجات جماعة الإخوان/الإسلام السياسي ؟، حيث تصدرت جماعة الإخوان و أنصارها من تيار الإسلام السياسي المشهد الإحتجاجي بعدما نفذت 3177 إحتجاجا خلال العام الماضي بنسبة 22.3% من إحتجاجات العام، منهم 3099 إحتجاجا نفذها أنصار الجماعة خلال النصف الثاني من العام 2013 ، و 78 إحتجاجا فقط في النصف الأول من العام ، وقت حكم مرشحهم الرئاسي. و ربما أن جماعة الإخوان و أنصارها لا تعبر كثرة إحتجاجاتها عن تنوع المطالب ولكن إحتجاجاتها تثير العديد من التساؤلات حول آلية التعامل مع تلك الجماعة التي تعد إحتجاجاتها تحديا أساسيا للرئيس القادم ، بعدما أثبتت الأيام أن العنف لا يولد إلا عنفا و أنه لم يعد ممكنا في المعادلات السياسية المصرية أن تواجه الفكر إلا بالفكر .
-   كيف سيتعامل المرشح الرئاسي مع إحتجاجات الأهالي و المواطنين المحلية و التي قامت بالأساس للمطالبة بتحسين المرافق وخدمات الدولة المتدهورة ؟ حيث إحتلت إحتجاجات الأهالي و المواطنين الذين تجمعوا لأسباب محلية دون الإستجابة لدعوات سياسية أو الإنتماء لكيان نقابي أو مكان عمل ، إحتلت المركز الثاني على خريطة الفئات المحتجة، بعدما نفذوا 2855 إحتجاج بنسبة 20% من إحتجاجات العام الماضي ، و جاءت 1905 إحتجاج بما يساوي 67% من إحتجاجات الأهالي في النصف الأول من العام بينما شهد النصف الثاني 950 إحتجاجا بنسبة 33% من إحتجاجات الأهالي و المواطنين.

-   مثل الطلاب حجر الزاوية في الخريطة الإحتجاجية للعام 2013 ، بعدما نفذوا 2047 إحتجاج خلال العام متصدرين ثالث الفئات المحتجة بنسبة 14.3% ، وهنا لاحظ التقرير الفارق الواضح بين تظاهرات الطلاب في النصف الأول من العام و التي مثلت 416 إحتجاج بنسبة 20% من إحتجاجات الطلاب وبين النصف الثاني الذي شهد 1631 إحتجاج بنسبة 80% من الإحتجاجات الطلابية ، ناهيك عن التغير الجذري في الوسائل و الأشكال الإحتجاجية التي انتهجها الطلاب خلال نصفي العام ، و التي تحولت من السلمية في النصف الأول من العام للعنف و المواجهة في نصف العام الثاني ، و هنا يطرح المؤشر تساؤله حول أدوات المرشح الرئاسي في التعامل مع الحراك الطلابي الذي فشل كافة المسئولين خلال العامين الماضيين فى التعامل معه ؟!
-   جاء النشطاء الحزبيون والسياسيون في المرتبة الرابعة على جدول الفئات المحتجة خلال العام الماضي ، بعدما نفذوا و دعوا لـ 13% من إحتجاجات العام بواقع 1854 إحتجاج 72% منها(1329إحتجاج) كانت في نصف العام الأول  و 28% (525 إحتجاج )كانت في نصفه الثاني ، لكن الملاحظ أيضا هو قيادة الحركات السياسية الشبابية لهذا النوع الإحتجاجي و تضاؤل دور التنظيمات الحزبية الداعية للتظاهر و التي لم تظهر سوى في محافل قليلة كان أبرزها الدعوة لـ 30 ينونية و 3 يوليو ، و هنا يطرح تساؤلا نفسه عن كيفية تعامل المرشح الرئاسي مع الحركات الشبابية السياسية في الوقت الذي تواجه كافة تلك الحركات و خاصة المعارضة منها خطر الحظر و المنع و التقييد و الملاحقة الأمنية والقضائية ؟ و ما هي أدوات تعامل المرشح الرئاسي مع تلك الفئة من الشارع السياسي ؟!
-   إجتمعت الفئات الـ6 الأخيرة في مرتبة أعلى 10 فئات محتجة على مطالب واحدة تعلقت معظمها بمناخ العمل و جاءت تلك الفئات كالتالي :
              ·    في المركز الخامس يأتي عمال المصانع و الشركات الذين نفذوا 988 إحتجاجا ، بما يعادل 6.92% من إحتجاجات العام .
              ·    إحتل العاملون بالهيئات الحكومية المركز السادس كأكثر الفئات المحتجة خلال العام 2013 بعدما قامو بـ 635 إحتجاج، بنسبة 4.45% من إحتجاجات العام .
              ·    تصدر المركز السابع المحتجون من أصحاب الأعمال الحرة ، و الذين نفذوا 624 إحتجاجا عكست ما تواجهه تلك الأعمال من إهمال حكومي واسع و ما تأثرت به من سياسات حكومية مرتعشة خلال الحكومات المتعاقبة.
              ·    القطاع الأمني كان من أبرز الفئات التي غيرت خريطة الإحتجاج ، لأنه القطاع الذي حمل إزدواجية كبيرة بين تصدره لقمع الإحتجاجات و القبض على المحتجين ، وبين تصدره كثامن أكثر الفئات المحتجة في مصر خلال العام المنصرم ، بعدما نفذ هذا القطاع 498 إحتجاجا إستخدمت العديد من الطرق العنيفة و شملت عشرات الإحتجاجات الخاصة بالقطاع الأمني قطعا للطرق و غلقا للأقسام وإمتناع عن العمل من أجل نفس المطالب التي يطالب بها العديد من الفئات مثل المستحقات المالية ومنظومة الأجور ، وكذلك المطالب الخاصة بتحسين بيئة العمل و حماية سلامة العامل ، لكن لم يخرج من يجرم تلك الإحتجاجات أو يضعها تحت وطأة قانون التظاهر ، في نفس الحين التي جرمت فيه إحتجاجات مواطنين مصريين حملوا نفس المطالب ولكن كل ذنبهم أنهم لم يكونوا ينتمون لقطاع الشرطة ، فتم فض إعتصاماتهم و التعدي عليهم و قطع أرزاقهم و تعرضهم للإعتقال ، وهنا يأتي سؤال المؤشر حول آلية تعامل الرئيس القادم وخياراته لحل تلك الإشكالية التي تتلخص في غياب المساواة بين المحتجين وآليات التعامل مع إحتجاجات الجهاز الأمني في تلك الفترة المحورية ؟!
              ·    جاء المحتجون من العاملين بالقطاع التعليمي في المركز التاسع بعدما قاموا بـ 454 إحتجاج بنسبة 3.18% من الفئات المحتجة، لتظل مشاكل القطاع التعليمي حاضرة دائما بشكل يعكس تساؤلا هاما عن مقدار الإخفاق الحكومي المتراكم في علاج مشكلات العاملين بالحقل التعليمي ، والتي أزادتها الأحداث السياسية الأخيرة فأضحت المؤسسات التعليمية تعج بالمشكلات والخلافات السياسية عوضا عن المشكلات المهنية و المؤسسية .
              ·    وضعت 329 إحتجاج نفذهم القطاع الطبي الرئيس المصري القادم أمام تساؤلات حول آلية تعامله مع مطالب الأطباء المتعلقه أكثرها بالكادر و بالمستحقات المالية ، و كذلك أمام تساؤلين آخرين؛ أولهما يدور حول آليات تعامله مع الخدمة الصحية المقدمة للمواطن من حيث الإتاحة والجودة والتكلفة ، و ثانيهما يدور حول المرضي في مصر الذين لا ترتفع أصواتهم ولا يقومون بأية إحتجاجات في دولة تعاني من العديد من الأمراض التي تصل لحد الوباء مثل السكر/و فيروسات الكبد / الفشل الكلوي / السرطان ، فكيف سيتعامل الرئيس مع المرض و المريض في مصر ؟!

المدقق في طبيعة أكثر الفئات إحتجاجا خلال العام المنقضي سوف يلحظ أنها فئات تلعب دورا محوريا في تكوين الدولة و إستقرارها، فالعمال و الموظفين و اصحاب الأعمال الحرة و القطاع الأمني و التعليمي و الطبي كلها قطاعات ربما يمثل تنظيمها المحور الأساسي في بقاء وإستقرار أي دولة و نجاح أو فشل أي نظام، و بالتالي فإن الرئيس القادم مسيَر لا مخيَر في التعامل مع تلك الفئات المحتجة و السماع لمطالبها وبناء نموذج للديمقراطية التعاقدية بينه وبينهم، يقوم على برنامج كفء من ناحية التخطيط و آليات التنفيذ و المتابعة والتطوير ، فكيف إذاً سيتعامل الرئيس القادم مع تلك الفئات؟
المدقق أيضا سوف يرى أن النظام البيروقراطي للدولة هو نعمة في حالة تنظيم إدارته وهو ما لم يحدث منذ ستينيات القرن الماضي ، ونقمة في حال سوء ادارته و إهدار حقوق العاملين به ، وهو ما حدث منذ سنوات عدة تبلور أهمها خلال عصر مبارك عندما استشري الفساد بالقطاع و ظهرت المطالب الخاصة بالمستحقات المالية على الخريطة الإحتجاجية، و التي مهدت لفقدان مبارك أهم قطاع مؤيد لسياساته و هو الجهاز الإداري للدولة و بالتالي صارت أحد أعمدته الرئيسية في البقاء الحكم مختلة.
-   ظهرت العديد من الفئات المحورية المحتجة و التي مثلت إحتجاجاتها خللا في منظومة الحريات بالدولة ، وتأتي أهمها في إحتجاجات الصحفيين والإعلاميين الذين نفذوا 93 إحتجاجا عكست حجم الصراع على حريات الإعلاميين و أرواحهم بينهم و بين الدولة المصرية.
-   متحدي الإعاقة الذين نفذوا 93 إحتجاج لم تشملهم أيا من برامج الرئاسة المطروحة على الساحة ، وكأنه كتب على حقوق تلك الفئات بأن تظل حبيسة مشروعات لا يتم التحدث عنها إلا في بعض التصريحات العشوائية في بعض المناسبات أو في بعض المواد القانونية غير المفعلة ، فأين متحدي الإعاقة من البرامج الرئاسية ؟!
-   الفلاح المصري نفذ 76 إحتجاجا خلال العام الماضي ، بشكل لا يتناسب تماما مع كم التحديات و الإشكاليات التي يواجهها، والتي ربما ترتبط بشكل أساسي بالعديد من المشكلات التي يواجهها الوطن والمتعلقة بمياه الري و الأسمدة المسرطنة، و المنتجات الزراعية التي تميزت خلال الأعوام الماضية إما بشحها أو بإمتلائها بمسرطنات لا تخضع لأي رقابة ، وكذلك فيما يخص الإحتكار و التضييق و تبوير الأراضي و تنظيم زراعة المحاصيل الأساسية و غيرها من التساؤلات التي تطرح نفسها عمدا على أجندة الرئيس القادم.
-   الألتراس المتهم دائما بنشر الفوضي و الذي يعد أحد أهم التنظيمات/التجمعات الشبابية في مصر في الوقت الراهن و الذي نفذ 180 إحتجاج خلال العام الماضي ، هل يجد مكانا لسماع مطالبه وتنظيم طاقاته و المشاركة في توجيهها نحو مزيدا من التنظيم والإبداع ، أم أنه سيستمر الصراع بينه وبين الدولة و أجهزتها ؟ هذا السؤال ربما يجب أن يطرح على الرئيس القادم.
-   الخريجين و حملة الدراسات العليا الذين نفذوا 56 إحتجاج .. الصيادون الذين قاموا بـ 43 إحتجاج .. القطاع السياحي الذي نظم 42 إحتجاج ... حقوق المراة التي خرجت من أجلها 39 إحتجاج نسوي ...أسر الشهداء الذين أعلوا شعار القصاص في 31 محفل إحتجاجي ... الأدباء و الفنانون الذين نفذوا 21 إحتجاج ... ثم الأخطر هو أعضاء الهيئات القضائية و النيابة العامة الذين نفذوا 16 إحتجاج ... كيف سيتعامل الرئيس مع إحتجاجات تلك الفئات  ومطاليهم ؟ هل سيجرمها و يحرمها ؟ أم سيطلق لها عنان التعبير ؟ أم أنه ينتوي فعليا الإنصات لتلك المطالب و إيجاد حلول لها ؟
·   لاحظ المؤشر أيضا أن الفئات المحتجة قد إنقسمت لقسمين؛ أولهما هو فئات تركزت معظم إحتجاجاتها خلال النصف الأول من العام و قت حكم الرئيس المعزول محمد مرسي ثم هدأت إحتجاجاتها بعد 30 يونيه / في النصف الثاني من العام مثل العمال و الأهالي ، و ثانيهما هي الفئات التي تميزت إحتجاجاتها في النصف الأول من العام بالهدوء ثم انعكس تماما في النصف الثاني مثل جماعة الإخوان و أنصارها و حركات الإسلام السياسي و الطلاب ، وهو ما يضع أمام الرئيس القادم تحد هام وهو تصاعد إحتجاجات بعض الفئات مثل الطلاب و إحتمالية إستمرار تصاعدها لغياب وجود حلول غير قمعية ، مع إرتفاع حدة إحتجاجات الفئات التي هدأت إحتجاجاتها بعد الثورة في حالة عدم تحقيق تطور ملموس خلال الأشهر الأولى من حكم الرئيس ، لذا فإن الرئيس القادم فرض عليه أن يمتلك معادلة سلمية و ديمقراطية بحتة ، يستطيع من خلالها تهدئة إحتجاجات الفئات الأكثر إحتجاجا خلال النصف الثاني من العام المنقضي ، و كسب ثقة الفئات التي منحت نظام ما بعد 30 يونية فرصة ، و ما دون ذلك من حلول ربما يؤدي لوقوع الرئيس القادم والدولة بين بركان للغضب الشعبي الناتج عن إحتجاج كافة تلك الفئات في محفل واحد كمحافل يناير 2011 و يونية 2013 .
أكثر من 40 فئة من فئات الشارع المصري قامت بآلاف الإحتجاجات للتعبير عن إحتياجاتها و مطالبها ، تلك الفئات مثلت كافة قطاعات الشارع و عبرت عن حقيقة مشكلاته و أولوياته ، فكيف سيتعامل الرئيس القادم مع تلك الفئات التي تعبر عن مجتمع بأسره ؟!
شكرا لك ولمرورك