الدولة تعيد إنتاج سياسات أثبتت إخفاقها لمنع تكرار مشهد الحراك الطلابي 2013
المواجهات الأمنية ..التقييد التشريعي .. الإقصاء السياسي .. التشويه الإعلامي أهم أدوات الإدارة المصرية في التعامل مع الطلاب
استحالة فصل العمل السياسي عن الحركة الطلابية ولن تستطيع سلطة وقف مظاهرات الطلبة
مواجهة الحراك الطلابي و الوهن السياسي للأحزاب المدنية سمحت لسيطرة الإسلام السياسي على الحركة الطلابية
الوقف الفوري للمواجهات الأمنية ..الإفراج عن الطلبة المعتقلين ..إعادة النظر في اللائحة الطلابية أولويات أجندة التفاوض بين الدولة و الطلاب
القاهرة : الثلاثاء 14 أكتوبر 2014
واجهت الإدارة المصرية حالة من الحراك الطلابي خلال العام 2013 حيث نظم الطلاب أكثر من 3000 احتجاج طلابي تخللهم أكثر من 600 حادثة عنف خلال العام الدراسي الماضى، الأمر الذي دفع الإدارة المصرية لإعادة إنتاج مجموعة من السياسات التي رأت أنها ربما تكون حوائط صد لهذا الحراك الطلابي السلمي منه أو العنيف ، لكن تلك السياسات لم تفرز سوى المزيد من الإحتقان و المواجهات التي أعتقل على أساسها حوالي 70 طالبا خلال أول يومين من العام الدراسي الحالي ، ناهيك عن حالات الشغب و العنف بين الطلاب و الأمن أو الطلاب على مختلف انتمائتهم ، لذا كان علينا التوقف عند تلك السياسات في محاولة للتوصل لفاعليتها من عدمه ، و تذكير الإدارة المصرية بحقائق هامة في التعامل مع الحراك الطلابي و طرح مبادرة لإصلاح حالة المواجهات المستمرة بين طلاب الجامعات و الإدارة المصرية .
الدولة المصرية أعادت إنتاج سياسات أثبتت إخفاقات تاريخية في التعامل مع طلاب الجامعات
المواجهات الأمنية لا تولد إلا مقاومة طلابية عنيفة.
منذ أكثر من 120 عاما بدأت الحركة الطلابية المصرية في العمل على القضايا الوطنية ، بداية من مقاومة الإحتلال و حتي مقاومة الدكتاتورية و الرجعية المحلية، الأمر الذى يؤكد على أن التصدي الأمني الذي يحدث الآن للنشاط الطلابي والذي اعتقل/ألقي القبض على أكثر من 70 طالب خلال أول يومين من العام الدراسى الحالى تحت مسميات و حجج مختلفة، ناهيك عن الملايين التي صرفتها الجامعات على التعاقد مع شركات الأمن الخاصة و الكمائن المستفزة أمام الجامعات و التي حولتها لما يشبه مناطق عسكرية/مناطق عمليات حربية ، لا يعد سوى إمتدادا لسياسات القمع الأمني التي إنتهجتها دولة الحكم في مصر ضد الطلاب بداية من بوليس القصر و حتى نظامي مبارك و مرسي . ورغم كافة تلك المواجهات الأمنية مع الطلاب، إلا انها لم تستطع يوما صدهم عن ممارسة أنشطتهم، بل إنها أعطت الحركة الطلابية المزيد من التكتيكات و الخبرة و الحشد و المصداقية، و عززت من ضعف كل نظام حاول إنتهاج سياسة المواجهات الأمنية، مثلما حدث مع نظامى مبارك و مرسي الذي مثل الطلاب المكون الأساسي لثورتين أقصاهما عن الحكم في أيام معدودات، لذا فإن المواجهات الأمنية للنشاط الطلابي مهما إختلف ممارسوها لم ولن تجد نفعا أمام نشاط الطلاب الوطني المفعم بالنشاط و الذكاء و الخبرة المتراكمة، بل أقصى ما يمكنها تحقيقه هو الدفع بالدولة للمزيد من الخسائر البشرية و الإقتصادية، وكذلك الدفع بالطلاب للمزيد من التنظيمات السرية الإنتقامية و التي ستستهدف الإنتقام من رموز سلطات الدولة و خاصة الأمنية منها، رغبة في الخلاص من قمع تلك السلطات.
"التقييد التشريعي" آداة القمع منذ حكومة القصر و حتى حكومة محلب :
تنوعت محاولات قمع الحراك الطلابي من قبل الإدارة الحالية للبلاد مستخدمة التشريعات المقيدة للحريات مثل قانون التظاهر الذي تعرض لمعارضات واسعة من معظم فئات المجتمع حتى المناصرة للإدارة الحالية للدولة، بالإضافة للائحة العمل الطلابي الجديدة التي أحدثت شرخا واضحا بين إدارة الدولة و بين الطلاب، وعكست فجوة هائلة ناتجة عن إعادة إنتاج الدولة لسياسات التقييد التشريعي للنشاط الطلابي و التي بدأت منذ قانون 22 لسنة 1929 و المسمى بقانون "حفظ النظام " و الذي أصدرته وزارة محمد محمود، لقمع الحراك الطلابي بعد تعطيل الحياة النيابية عام 1928 ، وكذلك التمهيد للإنقلاب الدستوري الحاصل في الفترة من 1930-1933 ، و مرورا بلائحة السادات في 79، وتعديلاتها في عصر مبارك 1984 ، لنرى أن قانون محمد محمود لم ينتج عنه سوى انتفاضة طلابية 1935، ولوائح السادات ومبارك لم تعمل سوى على تدمير النشاط الطلابي داخل الجامعة و السماح لجماعة الإخوان و تيارات الإسلام السياسي السيطرة على العمل الطلابي، ناهيك عما كان لذلك من أثر على الحياة السياسية والحزبية في مصر، وينطبق الأمر حاليا على قوانين التظاهر و اللوائح الطلابية الحالية والتى لم تنتج سوى المزيد من الدماء و الإعتقالات و الفوضى، لذا فإن أية محاولة تقييد تشريعي للحراك الطلابي سوف تواجه إما بتحدي تلك التشريعات و خرقها عمدا، أو زيادة الإحتقان الذي سينتج إنتفاضات طلابية وسعة، و في كل الأحوال سيولد المزيد من المواجهات العنيفة بين إدارة الدولة و بين الطلاب .
الإقصاء السياسي للطلاب هو مفتاح الانتفاضات الطلابية الكبرى :
وقف العمل السياسي بالجامعات و التهديد بمحاكمة من يسيء لرئيس الدولة وحل الأسر الجامعية .. الخ من القرارات التي حاولت بكافة الأشكال إقصاء الطلاب الجامعين المعارضين للإدارة الحالية من العمل السياسي بالجامعة ، و في الوقت ذاته تقييد حرية التظاهر و التنظيمات الشبابية خارج الجامعة بشكل يمثل خنقا واضحا لكافة متنفسات العمل السياسي للطلاب، الأمر الذى لا يضع أمامهم سوى خيارات خرق تلك القرارات علنا والوقوع في مواجهات مع السلطة أو الإتجاه للعمل السري ، وقد كشفت التجارب التاريخية القديمة و الحديثة صحة تلك النظرية ، حيث كانت كل محاولة لحصار العمل الطلابي السياسي تنتهي بانتفاضات طلابية و مواجهات فارقة، نذكر منها انتفاضات الطلبة 1935، 1946 (حادثتي كوبري عباس ) و 1968 و التي رضخت لها دولة ناصر ، و حركة الطلاب 1972 و دورهم في انتفاضة الخبر 1977 ضد دولة السادات ، ناهيك عن قيادتهم لكل الحركات الرافضة لمبارك من كفاية و 6 ابريل حتى الوطنية للتغير و انتهاءا بقيادتهم لثورة أطاحت بمبارك ، لذا فإن الحصار السياسي للطلاب لن ينتج عنه سوى المزيد من المواجهات و الإحتقان بين الإدارة المصرية و الطلاب ، و لن ينتج عنه سوى خسارات سياسية للإدارة المصرية ، و المزيد من المكاسب لمعارضيها و أعداؤها و خصومها السياسيين و الدوليين .
"التشويه الإعلامي للحراك الطلابي" آداة فاشلة في عصر الإعلام الاجتماعي :
" نعم لن نعبر و لن تعبر الدولة المصرية سوى على اجسادكم " كانت هذه المقولة شعارا لأحد مقدمي البرامج على واحدة من أكثر الفضائيات إنتشارا ، تعليقا منه على بيان لطلاب الجامعات ، و لم يكن هذا التحريض الذي صمت عنه الجميع سوى إمتددا لسياسات متعمدة لتشويه الحراك الطلابي السياسي على مر العصور ، لكنه وصل لذروته في العام الدراسي 2014 ، ليتهم الطلبة بالعمالة و الإرهاب و البلطجة ، و يتم وصم كل من يعارض الإدارة الحالية وتصنيفه على أنه منتمي لجماعة إرهابية ، ناهيك عن سياسات واضحة تقصي المتحدثين بإسم الطلاب ومصالحهم و تبرز دعايا سلبية لكل احتجاجاتهم و تحركاتهم ، في حالة تناسي واضحة أن الطلاب الجامعيين يمثلون المكون الأساسي لنجاح أي كيان اعلامي ، وأن لديهم من الوسائل الإعلامية الحديثة ما يمكنهم من قيادة حملات اعلامية كاملة ضد كل من يروج ضدهم ، و أن تلك السياسة هي إمتداد لسياسات قمع الحراك الطلابي و أساسا لشحن الطلاب و إحداث المزيد من العنف .
البتر الإجتماعي للطلاب مجرد خطوة لإشعال نار العنف :
طالعنا رئيس جامعة الأزهر في غرة العام الدراسي 2014 بتفاخره " بتجنيد جواسيس من بلدياته لمراقبة الطلاب" ظنا منه أن هذا دوره الوطني و القومي ، في حين تناقلت وسائل الإعلام تصريحات رجال الدولة و التعليم حول تصنيف الطلاب لمتعاونين يتم تجنيدهم لمراقبة الطلاب المشاغبين أو الإرهابيين ، مما عكس سياسة واضحة للتصنيف و التفرقة بين الطلاب أنفسهم، و خلال العام الدراسي 2013 حدث ما يقارب من 100 حالة اشتباك بين الأهالي و الطلاب ، في حين رأت الإدارة المصرية تصنيف الأهالي المشتبكين مع الطلبة على أنهم المواطنين الشرفاء ، وجرى تصنيف الطلاب على أنهم مجرمون ، بالإضافة لبعض الشحن الإعلامي ضد الحراك الطلابي و توفير غطاء شرعى من إدارة الدولة للمواطنين الشرفاء لملاحقة الطلاب المجرمين على حد وصف الدولة ، الأمر الذي عكس إنتهاج الدولة لسياسة بتر إجتماعي للطلاب و شحذ لباقي قطاعات المجتمع ضدهم و محاولة إلقاء كافة مشكلات الأمة على عاتق الحراك الطلابي خارج الجامعة أو داخلها ، وتلك السياسية لا تمثل إلا آداة لتوسعة فجوة الخصام المجتمعي في مصر ، و عائقا أساسيا أمام أفكار المصالحة الوطنية و شحذ الجهود ناحية البناء لا القمع الهدم والفرقة.
حقائق يجب على الدولة مراعاتها عند التعامل مع الحراك و الحريات الطلابية :
1- أن نشأة الحراك الطلابي كانت من أجل العمل الوطني وما لبث أن أصبح عملا وطنيا طلابيا ينتهج مسارات سياسية و تثقيفية ، لذا فإن فكرة فصل العمل السياسي عن النشاط الطلابي هي كفصل روح عن جسد ، وهي فكرة مستحيلة التطبيق عمليا في الواقع المصري .
2- أن التظاهرات و الإضرابات و المسيرات و غيرها من وسائل الإحتجاج و التظاهر هي الأساس الذي قام عليه نشاط الحركة الطلابية ولن تجدي محاولات قمع التظاهر خاصة لدى الطلاب ، وعلى إدارة الدولة تنظيم هذا الحق و ليس منعه أو قمعه بأي وسيلة .
3- أن ظهور وسيطرة الإسلام السياسي و جماعات الفكر المتطرف على العمل الطلابي لم تأت سوى في فترات الوهن الحزبي و السياسي في مصر ، أو بمساعدة من الإدارة المصرية لإضعاف و القضاء على الجماعات الطلابية المعارضة للإدارة .
4- أن أكثر فترات إزدهار الحركة الطلابية و إنتاجها كانت فترات العمل السياسي المنظم و المشترك بين الطلاب المنتمين للأحزاب المدنية ، و أن الطلاب كانوا المحرك الأول للحياة الحزبية و نشر المفاهيم و الأيدولوجيات الديمقراطية داخل و خارج المجتمع الجامعي .
5- أن الحراك الطلابي رغم ضخامته وقوته إلا أنه قوة زئبقية لا يمكن لسلطة أو إدارة التحكم بها أو قمعها أو إحكام السيطرة عليها ، ولكنها قوة تمثل إضافة حقيقية لأي إدارة تنصت لها و تشاركها في عمليات الإصلاح و البناء .وأن هناك علاقة طردية واضحة بين منح الحراك الطلابي المزيد من الحريات وبين إستقرار الأنظمة و الحكومات ، مثلما أن أي تقييد للحريات الطلابية هو أحد العوامل الأساسية لزعزعة استقرار أي نظام إداري أو حكومة .
كيف نبدأ حل الأزمة :
البدء في عملية تفاوض جادة وحقيقية تجمع ممثلين عن إدارة الدولة – الإتحادات الطلابية – قطاع التدريس بالجامعات – المنظمات المدنية العاملة في مجال حقوق الطلبة و الحقوق والحريات المدنية والسياسية – الإعلام ، بهدف الوقف الفوري للمواجهات الحالية بين الدولة و الطلاب ، و الجلوس على مائدة تفاوض من أجل حماية وإقرار الحريات الطلابية مع حماية الجامعات من العنف و الفوضى و أعمال الشغب ، وحماية حقوق كافة الطلاب في تلقي المعلومة في جو ملائم . وأن تبدأ المفاوضات أجندتها بالنظر في الخطوات التالية :
إيقاف المواجهات الأمنية مع الطلاب و إعادة النظر فيما يخص التعاقدات الخاصة بشركات الأمن و دور قوات الأمن في تنظيم عملية حماية الأمن داخل و خارج أسوار الجامعة دون تحويها لمعسكرات مخابراتية أو أمنية .
العفو عن كافة الطلاب المعتقلين تحت قضايا تخص مشاركتهم في أنشطة و إحتجاجات طلابية و إعطائهم فرصة أخرى للتعليم عوضا عن الزج بهم بين المسجونين الجنائيين .
إعادة النظر في اللائحة الطلابية .
تنظيم العمل الطلابي وتشجيعه بما يصب في صالح تنمية العملية التعليمية و العمل الوطني الهادف لبناء الدولة و المواطن المصري.
بناء آليات جديدة للمشاركة المجتمعية للطلاب في صناعة القرار .
إن الدولة المصرية قادرة و رغم كافة تلك التحديات من العمل المشترك مع الحراك الطلابي بما يسرع من عملية بناء الدولة الديمقراطية المصرية عوضا عن الوقوف في مواجهة هذا القطاع الوطني و إحالة الأمر برمته لحالة من الصراع التي يخسر جميع أطرافها و الخاسر الأول به هو مصر الشعب و الدولة .
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء