الإطار الكمي لأحداث العنف خلال أغسطس 2013 .
في حصيلة غير مسبوقة لأحداث العنف السياسي في مصر رصد تقرير مؤشر الديمقراطية 557 حالة عنف خلال شهر أغسطس 2013 بمتوسط 20 حالة يوميا و 3 أحداث كل 4 ساعات، كرد فعل على إسقاط الرئيس السابق مرسي و ما بعدها من أحداث إشترك فيها ثلاثة أطراف رئيسية وهم المنتمون لجماعة الإخوان و مناصريهم من جانب، و الأهالي والمواطنون و عدد من النشطاء السياسيون من جانب آخر ، وقوات الأمن من الشرطة والجيش كضلع ثالث .
تصدر يوم 14 أغسطس المشهد بعدما شهد 150 حادثة عنف ، تلاه 16 أغسطس بعدما شهد 87 حادثة في حين إحتل 30 أغسطس المركز الثالث بعدما شهد وقوع 44 حادثة عنف . و رصد التقرير أن أغلب أحداث العنف قد وقعت بعد أحداث فض إعتصامي رابعة والنهضة ؛ حيث شهدت الأيام الثلاثة عشر الأولى من أغسطس 116 حادث عنف بنسبة 21% من أحداث العنف خلال الشهر ، في حين شهدت الفترة من 14-31 أغسطس وقوع 441 حادثة عنف بنسبة 79% من أحداث العنف التي شهدها الشهر و هو ما مثل ردة الفعل القوية والعنيفة التي إنتهجتها الجماعة وأنصارها تجاه فض إعتصاماتهم بالقوة المفرطة من قبل قوات الأمن .
الإطار الكيفي لأحداث العنف السياسي خلال الشهر :
1- أشكال العنف المنتهج خلال الشهر .
شهد أغسطس 193 حالة إشتباك مسلح بين الأهالى وأنصار جماعة الإخوان لأسباب متعددة تتلخص في حالة من الإحتقان الشديد لدى الأهالي تجاه جماعة الإخوان وأنصارها ، وحالة من العنف المباشر من الإخوان وأنصارها تجاه كل من أيد ما أسموه الإنقلاب العسكري ، المقابل لمصطلح الثورة لدى غالبية الشعب المصري .
مثلت تلك الإشتباكات رد فعل تجاه الإستفزاز المتبادل بين المدنيين وأنصار الجماعة ، فبينما تمتلئ مسيرات الإخوان بهتافات ضد كل من المشاركين في مظاهرات 30 يونية وما بعدها ، و هو ما يقابله ردود المدنيين المعبرة عن كرههم للإخوان و تأييدهم للنظام الحالي بشكل يشعل الأجواء ويحول المسيرات الإحتجاجية لأعمال عنف وشغب وإشتباك مسلح إستخدمت فيه كافة أشكال الأسلحة البيضاء و العديد من الأسلحة النارية بشكل يطرح العديد من التساؤلات حول تسليح المظاهرات الخاصة بالإخوان و إنتشار السلاح لدى المدنيين بشكل يفرض تهديدا مزدوجا. وهنا يشير التقرير أن معظم تلك الإشتباكات قد بدأت بهتافات متبادلة أو رفع لافتات و شعارات وصور ثم تطورت لإستخدام أغاني من الطرفين لكن تلك الأدوات التعبيرية عن الرأى تحولت جميعها في النهاية لأحداث عنف مفرط نتج عنه العديد من الخسائر البشرية والإقتصادية.
بينما تصدرت الإشتباكات المسلحة خريطة العنف السياسي خلال الشهر بنسبة 34.7% ، كانت مهاجمة أقسام و نقاط الشرطة والمواقع الأمنية هي ثاني أكثر وسيلة عنف سياسي إنتهجتها الجماعة وأنصارها خلال شهر أغسطس ، حيث نفذوا 147 هجمة على تلك المنشآت الأمنية ، بنسبة وصلت 26.40% من أشكال العنف المنتهجة خلال الشهر، بشكل عكس العديد من التساؤلات حول طبيعة تصدي الجهاز الأمني لمثل تلك الهجمات ، حيث هوجمت بعض النقاط أو الأكمنة الأمنية بعينها لعشرات المرات بشكل متتالي مثل كمين الريسة الذي هوجم في 46 حادثة ، في حين تم مهاجمة أقسام شرطة العريش مرات متتالية، ونجد أن هناك بعض الأكمنة والنقاط التي تهاجم في اليوم الواحد أكثر من مرة ، في شكل يفرض تساؤلات حول التدابير الإحترازية والدفاعية التي تنتهجها قوات الأمن لصد تلك الهجمات و حماية أفرادها ، وهل من المعقول أن يستهدف كمين أمني بـ 46 هجمة متتالية دون إظهار أي رد فعل دفاعي ضد تلك الهجمات ؟
إستمرارا لإنتهاج وسيلتي الإقتحام والتخريب و الحرق بشكل ممنهج من قبل الجماعة وأنصارها فقد نفذوا 43 حالة إقتحام وحرق لمؤسسات حكومية ، في حين نفذوا 39 حادثة حرق وتخريب لكنائيس و ممتلكات قبطية ، بشكل عكس قباحة إستخدام العنف الطائفي كآداة لتحقيق مكاسب سياسية، و خلق حالة من الشحن الطائفي حيث رصد المؤشر أكثر من خمس حالات عنف طائفي تبعت أحداث فض الإعتصام لكنها لم تكن لأسباب سياسية ظاهريا ولكنها عكست التوترات الواضحة بين مؤيدي الإخوان و المدنيين الأقباط حيث كانت أحداها حادثة المطب الصناعي الذي أقامه مسيحي و تسبب من وجهة نظر أحد المواطنين في عرقلة أحد الأطفال الأمر الذي نشب عنه مشاجرة راح فيها عشرات الضحايا و عدد من القتلى بشكل يثير الكثير من الجدل حول تلك الأحداث التي لم تتأجج إلا عندما أشعل فتيلها أنصار الجماعة .و هنا طرح العديد من التساؤلات حول الدور الأمني المنوط به حماية تلك المنشآت العامة والخاصة و قدسية أماكن العبادة .
وفي أحداث فعل و رد فعل متبادل بين جماعة الإخوان وأنصارها و بين المدنيين ، قام المدنيون بفض 29 إحتجاج لجماعة الإخوان وأنصارها مستخدمين العديد من الوسائل بداية من محاصرتهم أو غلق الشوارع أمام مرورهم أو منع وقوفهم في نطاق جغرافي معين أو إلقاء القمامة و المياة عليهم من الشرفات ، في حين رد الإخوان بتنفيذ 28 حالة حرق وتحطيم لممتلكات المواطنين ، الأمر الذي قوبل بتنفيذ 25 واقعة حرق لمقرات وممتلكات جماعة الإخوان من قبل الأهالي والمواطنين و 9 حالات هجوم على أئمة مساجد بسبب إستخدامهم المنبر للترويج لموقف الجماعة .
عنف متبادل بين الجماعة و المدنيين يعكس إنتهاج الجماعة لكافة أشكال الضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية ، و إنتهاجا للعنف من قبل الأهالي يثير العديد من التخوفات حول الوضع الحالي والمستقبلي و عديدا من التساؤلات حول الدور الأمني الغائب عن هذا المشهد المحتقن بين المدنيين وجماعة الإخوان .
شهد الشهر حالات من العنف الرسمي ضد جماعة الإخوان ، وهو العنف الذي إنتهجته السلطات ضد أنصار الجماعة في 3 وقائع أساسية أثارت العديد من التساؤلات على المحيط المحلي ولإقليمي والدولي و هم :
أ- فض إعتصامي رابعة والنهضة بالقوة وبشكل أثار العديد من الجدل حول أعداد القتلى خلال هذا الفض و أحرج الدولة المصرية على كافة المستويات ، وهنا فقد أكد المؤشر و لا يزال على ضرورة إجراء تحقيقات واسعة حول طبيعة إنتهاج القوة في فض الإعتصامات و نتائجها ، حتى ينعكس سيادة دولة القانون في ظل الشفافية والمحاسبية ، وحتى لا يقوم التقرير بدور ليس منوطا به و هو تقديم أحكام تبرأ أو تجرم التعامل الأمني ولذا فإنه يلتزم بالمطالبة بالتحقيقات العادلة في تلك الأحداث و سوف يقوم بدور المراقب لطبيعة خطوات تلك التحقيقات.
ب- حادثة قتل 38 معتقل في سجن أبو زعبل في حين كشفت تحقيقات النيابة تورط بعض أفراد الأمن في الواقعة بشكل يعكس إنتهاجا للقوة الوحشية ضد معتقلين عزل و هنا يطالب التقرير بمحاسبة كاملة لا تكتف بتقديم بعض التضحيات من أجل حماية المتورطين الأعلى في السلم الوظيفي.
ت- حالات الشكوى الدائمة من إقتحام قوات الأمن للعديد من منازل المناصرين للجماعة بهدف ملاحقتهم لإتهامهم بالإشتراك في أحداث العنف ، وهنا يوضح التقرير أنه رصد العديد من الشكاوى حول نقل قوات الأمن للعديد من الممتلكات الخاصة و الأموال معهم أثناء عمليات القبض والتفتيش ، و الأخطر هو الشكاوى المتعلقة بالقبض على أقارب المتهم في حالة عدم وجوده لتحقيق ضغط يدفعه لتسليم نفسه ، و هنا يطالب المؤشر بضرورة التحقيق في تلك الشكاوى و يعرب عن قلقة وتخوفاته من الإستخدام الجائر وغير القانوني لقانون الطواريء وللوضع الأمني الحالي .
لاحظ التقرير إرتباطا طرديا واضحا بين تنامي أحداث العنف وبين التحركات الإحتجاجية لجماعة وأنصار الإخوان المسلمين بشكل يعكس بصورة واضحة تورطها في تلك الأحداث كما أوضح التقرير و خاصة فيما يتعلق بإستخدامها السلاح و العنف المفرط ضد المواطنين و الممتلكات العامة والخاصة والدينية.
2- الخريطة الجغرافية لأحداث العنف السياسي خلال أغسطس 2013 :
تصدرت محافظة الجيزة خريطة أحداث العنف السياسي خلال أغسطس بعدما شهدت 46 حادثة بواقع 8.25% من أحداث العنف ، تلتها محافظة شمال سيناء التي شهدت 44 حادثة بتمثيل قدره 7.9% من مجل أحداث العنف ، في حين إحتلت محافظة الشرقية المركز الثالث بنسبة 7.36 من قيمة أحداث العنف بعدما شهدت 41 حادثة.
بينما تقارب تمثيل محافظات المنيا و القاهرة الغربية بعدما شهدت الأولى 6.46% من إجمالي أحداث العنف فيما تساوت االاسكندرية والفيوم بعدما شهدوا 6.10 % من الأحداث .
كانت محافظات الوادي الجديد و الأقصر و جنوب سيناء و البحر الأحمر وأسوان هي المحافظات الأقل تواجدا على خريطة العنف السياسي و هو الأمر الذي يضع بارقة أمل ولو محدودة حول حماية المحافظات الساحلية والسياحية من هجمات العنف السياسي .
لاحظ التقرير تركز الأحداث خطورة في محافظات الصعيد مثل المنيا و الفيوم و المحافظات الحدودية في شمال سيناء و بعض المحافظات المركزية مثل القاهرة والإسكندرية بعدما شهدت تلك المحافظات أخطر الموجات التي شهدت عنفا ضد الممتلكات العامة والخاصة و عنفا سياسيا طائفيا ضد دور العبادة والممتلكات القبطية.
يرى المؤشر أن كثافة أحداث العنف السياسي في المحافظات المصرية المختلفة إنما تعكس وبشكل واضح علاقة طردية بين التواجد والنفوذ الإخواني وبين أحداث العنف السياسي فكلما زاد التواجد تكاثرت أحداث العنف و كلما كانت أخطر ، والمدقق أيضا سوف يلحظ علاقة واضحة بين المحافظات التي صوتت للإخوان وبين أحداث العنف ، بشكل جعل الخريطة الجغرافية لأحداث العنف السياسي أحد أهم مؤشرات نفوذ الجماعة داخل الدولة المصرية .
3- بخصوص أعداد القتلى والمصابين و المعتقلين :
بين التضارب الشاسع في الإحصاءات الحكومية الرسمية التي إتسمت أغلبها بالفوضوية و غير المنتظمة و غير الواضحة الجهة فوزارة الصحة تعلن أعدادا للقتلى والمصابين على فترات متقطعة من جهة و تقابلها تصريحات لوزارة الداخلية حول ضحاياها من جهة أخرى في حين شارك مجلس الوزراء في إعطاء المزيد من الإحصائيات غير المكتملة ليزيد من ضبابية الصورة ، وبين كافة تلك الأرقام الرسمية كان متوسط أعداد القتلى هو 700 قتيل مقابل ما يقارب 5000 مصاب ، في حين تعكس بعض تقارير المنظمات المدنية عن أعداد تتراوح بين 1800 قتيل و 8000 مصاب ، في حين تصرح قيادات الجماعة بأعداد فلكية للقتلى تتعدى الـ 3000 قتيل من الإخوان فقط و يتعدى العشرة آلاف مصاب ، لكن التقرير قد إستطاع التحقق فقط من أعداد تقريبية للقتلى و الجرحي تصل لـ 1000 قتيل و 6000 مصاب . يدين التقرير وبشدة التناقض الواضح في الأرقام والإحصائيات الخاصة بالقتلى والمصابين و يعول على الدولة المسئولية الكاملة في الإعلان عن كافة الأعداد و الإحصاءات الدقيقة كأحد أول وأهم خطوات تحقيق العدالة في جو من الشفافية و إتاحة المعلومات عوضا عن تلك الضبابية و هذا التداخل الواضح بين مصادر المعلومات و إختصاصات الوزارات والأجهزة الحكومية.
رصد التقرير غياب تام للشفافية حول أعداد المعتقلين من جماعة الإخوان وأنصارهم أو مثيرى الشغب على حد وصف وزارة الداخلية التي أعلنت في وقت سابق أنها إعتقلت 1004 منهم ، في حين أعلنت الجماعة بالأسماء والمحافظات إعتقال ما يزيد عن 1800 من أنصارها في القاهرة والمحافظات المختلفة و في تصريحات عن إعتقال ما يزيد عن 8 آلاف مناصر للجماعة ، بشكل يضع العديد من التساؤلات حول طبيعة الأعدادا الحقيقية للمعتقلين في ظل غياب أدني إحصائيات دورية تعكس العدد الحقيقي للمعتقلين وأماكن تواجدهم والتهم الموجهة إليهم ، وهو الدور المنوط بجهتي الضبط والتحقيق لتمكين ذويهم من تقديم المساعدة و تمكين الرأي العام من حقه الخالص في إتاحة المعلومات المتعلقة بآليات كفالة الدولة لحقوق المواطن و خاصة في ظل حالات المحاكمات العسكرية التي بدأت تطل من جنبات أحداث الإعتقال المتعددة .
4- حول قضايا التعذيب المتهم بها جماعة الإخوان وأنصارها.
رصد التقرير العديد من الإتهامات المدعمة بشهادات حية و تحقيقات و وسائل متعددة للتوثيق حول قيام أنصار الجماعة بتعذيب بعض المعارضين لها وبعض المواطنين على خلفية أحداث رابعة والنهضة و هي الإتهامات التي تعرضت لقضايا تعذيب حتى الموت وأخرى لتعذيب أطفال وثالثة لخطف وتعذيب نساء ، و هو ما أظهرته بعض التقارير الخاصة بالمنظمات المدنية التي رصدت عشرات الحالات من التعذيب (44حالة) خلال ثلاثة أيام فقط ، وقتل 22 حالة منهم جراء التعذيب ، في شكل يعكس مدى خطورة القضية في ظل تدني وندرة المعلومات حولها أو حول نتائج التحقيقات بها .
لذا فإن المؤشر يطالب بإتخاذ الدولة ما يلزم تجاه التحقيق في وقائع التعذيب التي يتهم أنصار جماعة الإخوان وقياداتها بالقيام بها وأن تعلن كافة نتائج التحقيقات على الرأي العام ، كما يطالب الدولة و المنظمات المدنية بالتحرك الفوري لتقديم العون والمساعدة اللازمة لكافة الضحايا الذين وقعوا فريسة لتلك الجرائم الوحشية و أن يتم محاكمة المتسببين عن تلك الجرائم بشكل يحقق الردع العام.
ياحظ التقرير إرتفاع أحداث العنف السياسي خلال شهر أغسطس كنتيجة طبيعية لفض إعتصامي رابعة والنهضة و إستخدام جماعة الإخوان أقصي درجات القوة و العنف لتحقيق مآرب سياسية في مواجهة نظام جديد يستخدم كافة أشكال و وسائل القوة والضغط لفرض سيطرة الدولة على كافة أراضيها وسط متغيرات ومواقف و أحداث محلية و إقليمية ودولية غاية في الصعوبة . لكن التقرير يشدد على ألا تستخدم صلاحيات قانون الطواريء و الوضع الأمني الحالي في غير مقاصدها بشكل يجعل عودة الدولة الأمنية أو البوليسية هو الخيار ، لأنه خيار لم يعد يقبله الشارع المصري حتى وإن كان مقبولا خلال تلك المرحلة .
إن جماعة الإخوان المسلمين و أنصارها يجب عليهم أن يتطهروا فوريا من كافة المتسببين والمشاركين في أحداث العنف والإرهاب التي مورست ولا تزال ضد المواطنينن و الممتلكات العامة والخاصة و أن تعود لتندمج في المجتمع بدلا من أن ينبذها المجتمع بشكل سوف يجعلها تحتاج أكثر من تاريخها لكسب ثقة المواطن المصري مرة أخرى .
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء